القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة نقدية في المجموعة القصصية ( زمن الذئاب) للقاصّ جورج عازار

كتبت: نوميديا جروفي / أديبة من الجزائر





تتميّز كتابات القاصّ السوري جورج عازار بالبساطة و المدلولية العميقة التي تحملها كلّ قصّة في طيّاتها للقارئ، و الجميل أنّه لا يستخدم الألفاظ الغامضة بل العبارات البسيطة التي تُقرأ بسهولة للجميع خاصّة القارئ العادي.

وعند التوغّل في قصصه نجد أنفسنا نعيش القصص لأنّها جزء من يومياتنا أو ماضينا، فهو يحكي لنا بسرد جميل بعض ما يحتفظ به في جعبته من مُذكّرات طفولته أو يوميّاته في بلاد الغربة حيث يعيش، أو ما ينسجه بخياله فيجعلنا نتماهى و ننسجم بكلّ بساطة وواقعية مع كلّ قصّة أبدع في كتابتها.

المجموعة القصصيّة الثانية ( زمن الذّئاب) تختلف قليلا عن المجموعة القصصيّة الأولى (من عبق الماضي) من حيث طابع السّرد لأنّ المجموعة القصصيّة الجديدة التي بين أيدينا تمتاز بالدراما و التّأملات العميقة في بعض القصص حيث نجد هنا الحوار وبعض المشاهد السينمائية أيضا بطابع أدبي راقي أبدع في كتابته القاصّ جورج عازار.

حيث تبدأ المجموعة القصصية بقصّة ( بالكيل الذي تكيلون) والعنوان هنا مُقتبس من آية في الكتاب المُقدّس فكما يدين المرء يُدان. 

والكاتب أبدع في نهاية القصّة حيث ترك المجال للقارئ ليتخيّل النهاية فهل عاد البيت لصاحبته الأصلية أو صار باسم المحامي الذي هو قريبها؟ و هنا يبقى الاحتمال لمخيّلة القارئ البارع في الاستنتاج.

و بعدها قصّة (أحزان في دروب الفرح) حيث يُودّع الأب ابنته الوحيدة يوم زفافها بدموع حزينة لأنها ستتركه وحيدا و تنتقل لبيت زوجها، حيث كان هو أباها و أمّها في نفس الوقت و هو من ربّاها و سهر على رعايتها بعد وفاة والدتها إلى أن صارت امرأة و هاهي اليوم تُزفّ لعريسها الذي اختارته. و في نهاية القصّة نرى الحزن الكبير الذي يعيشه الأب بعد دخوله للبيت و هو وحيد دون وحيدته لأوّل مرّة.

وفي قصّة (الصّلاة الأخيرة) يتحوّل الانتظار إلى مأساة كبيرة ، فبعد لهفة الشوق للّقاء يُصبح كابوس اختفاء أشلاء جثث الضحايا في يمّ البحر.

ثمّ قصّة (أبي سنديانة البيت) يُحدّثنا القاصّ هنا عن والده الذي هاجر لبلاد الغربة و لم يستطع التأقلم فيها كما حدّثنا في المجموعة القصصية السابقة عن والدته ، لكن هنا الأمر مختلف فنظرة الرّجل تختلف عن نظرة المرأة، لأنّ الأب يفتقر لأصدقائه و رائحة السّوق الدّمشقي و مُتعة الشّوارع هناك.

ففي بلاد الغربة حيث كان الغيوم السّوداء تسرق وجه الشّمس دوما.

ثمّ يحدّثنا الكاتب عن آخر أيام الأب بعد أن أقعده المرض طريح الفراش إلى أن غادر الحياة للأبد في يوم ماطر في المشفى بعد أن أدّى واجبه الأبويّ على أكمل وجه مع أبنائه و بناته.

وفي قصّة (صرخة الصّمت) نرى لعبة القدر البائسة في حياة تلك الفتاة التي توقّف نموّها و بقيت حبيسة طفولتها رغم تقدّمها في العمر لكن عقلها الصغير لم ينمو أبدا، و هذا ما بقي راسخا في ذاكرة القاصّ منذ زمن بعيد حيث رافق والده لزيارة صديقه، وكيف يحتفظ في مُذكرته بكلّ ملامح الفتاة و ما حدث يومها، فنقل لنا الوقائع بطريقة أدبية راقية كالعادة.

وفي قصة ( من غير ميعاد) نراها قصّة مجتمعاتنا اليوم لأنّها يحكي قصّة لقاء بعد فراق قهريّ و عدم ارتباط بسبب الأهل، لكن هل تلك السّاعات التي قضياها معًا كافية لتردّ عمرا ضاع سرابا بسبب عدم موافقة أهلهما سابقا؟

و كيف انتهتْ حياة كلّ منهما بعد الفراق ليلتقيا صدفة خارج الوطن      و في منتدى جمعها لتجمعها ليلة في الفندق و في نفس الغرفة ليفترقا مجدّدا و للأبد ربّما أو سيلتقان مجددا، و هذا ما تركه الكاتب مفتوحا لمخيلة القارئ، حيث اختتم القصة كون البطلة غادرت الغرفة في الصباح الباكر تاركة رامز نائما و لم تلتفت للوراء حيث تابعت مسيرها و دموعها ممتزجة مع حبّات المطر.

القاصّ جورج عازار يحتفظ بأدق التفاصيل في ذاكرته حيث قصّة ( زيارة مفاجئة) التي حُظي بها من والده و هو في الجامعة فكتبها لنا بسرد جميل جعلنا نتماهى معه بالأحداث التي عاشها يومها.

وفي قصّة ( حفلة مدرسية) عشنا كلّ الأحداث التي مرّ بها الأخ الأكبر في التحضير للحفلة المدرسيّة و كيف نجحتْ وفرح الجميع في النهاية.

وفي قصّة (في بيتنا عجل) أحداث عائلية جميلة عاشها القاصّ رفقة عائلته في طفولته و احتفظ بها ليسردها للقارئ بتفاصيل جميلة   وإبداع في الكتابة.

ثمّ في قصّة (ذكريات من زمن فات) تجمع ذكريات طفولة لا تُنسى بألعاب يفتقر إليها هذا الجيل الذي لا يعرف سوى التكنولوجيا وألعاب الفيديو، لكن الزّمن الجميل الذي عاشه القاصّ يحمل في جعبته ألعاب طفولة من صُنع أيدي الأطفال من أشياء بسيطة كانت تُبهج الجميع ويستمتعون بها ، فرغم بساطتها كانت ذات قيمة لا تُعوّض، وللأسف الشديد لم تعد موجودة اليوم و لا يعرفها جيل اليوم أيضا.

ويختم المجموعة القصصيّة بقصّة (أمّي ضحكة الفجر) فهي زهرة أقحوان بريّة، وفي سرد جميل يقصّ علينا كيف عشقها الأب وكيف جاءت عروسا للبيت فهي طوق النّجاة وهي المُنقذ وهي العون الكبير على مرّ السنين.

فمن أمّ صارت جدّة كيف سافرت لبلاد الغربة و كيف كان لمّ شمل العائلة كلّها إلى أن غادرت الحياة تاركة في نفوس أبنائها غصّة وأكوام أحزان لا تنتهي.

تعليقات

التنقل السريع