عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية
رضاعة مفردات الخضوع تبدأ من الطفولة و لا تفطم عند الكهولة التي تَدور إنتاج تلك المفردات ليقينيتها و عدم الشك و الحوار حولها، في بيئة و ثقافة تترسخ فيها تلك المفردات ، و خريطة تتشابه فيها الاهتمامات الجمعية .إذ تتبادل الأدوار بهدف الخضوع للقوى التقليدية و السياسية التي تمتلك أدوات الترويض و غسيل الدماغ وسلب الارادة. بأفكار و برامج تختلط فيها القوة و الاقناع و التضليل كي يقع الفرد في دائرة أو حيزاً يقمع الحرية و يعتقل العقل ، و قد تناول عدد من المهتمين بالشأنين النفسي و الاجتماعي كفرويد ولوبون و دوركهايم و غيرهم أسباب الخضوع لدى الافراد و المجتمعات بأختلاف الانظمة و الاماكن ، التي أنتجت الاستبداد والدكتاتورية لاسيما في المجتمعات المتخلفة.
و الخضوع غاية و أن أختلفت الادوات و الوسائل للسلطات ، فالمؤسسة الدينية لقداستها تتهم الخارج عن دائرة الطاعة بالكفر و الزندقة ، و الحركات ذات الايديولوجيا السياسية تقذف المعارض أو المختلف معها بالتآمر و العمالة ، و هي إتهامات يسيرة لقمع الجهات أو الحراك المنادى للسلطة و الهيمنة التي تسعى اليها القوى المتيسدة على المجتمع ، كما أن ثمة خضوع لأسباب آنية تتعلق بالاستهلاك السريع و الاشهار الجذاب يثير الاغراء لدى المتلقي . بيد أن الاكثر تأثيراً و عمقاً ، ذلك المحتوى المستمر ، الراسخ لايمكن إزاحته أو نقده.
والخضوع إصطلاحاً (هو عمل إرادي ، يتمثل بوضع المرء نفسه تحت تصرف الآخر ، مما يتطلب شرطية فاعل و مفعول به ، و قطبين إيجابي يتمثل بذلك الذي يصدر الأمر ، و سلبي يتمثل بذلك الذي ينفذ و يطيع). و يتجلى ذلك في العلاقة بين الطفل ووالديه ، الزوجة و الزوج أو العكس ، التلميذ و المعلم ، الجندي و الضابط والموظف ورئيسه و الفلاح و علاقته بالاقطاعي او المزارع . و تنسحب تلك العلاقة الى القوى الدينية و العشائرية و السياسية تلك العلاقة الهرمية القائمة على السلطة و هي القدرة على إصدار الاوامر و الخضوع و الطاعة . و من الهوان أن يخضع المرء لوضيع، لص، قاتل، يمارس السرقة بأسم الله أحياناً. بمعنى ثمة أعلى و أدنى ، أوامر و تنفيذ او كما كان سائداً و ربما مازال قائماً (نفذ ثم ناقش) و هو صيغة لتكريس الطغيان للأعلى و الخضوع السلبي للأدنى ، بعد القبول بأداء دور الضحية . او (العبودية المختارة وفق دولابيوتسي) التي تنمو و تترسخ بفعل ثنائيات العادات و التقاليد ، المال و القوة و قبلها الحرمان و الجهل ، و هي منافذ للأخضاع و الهيمنة التي أخذت أشكالاً متعددة سياسية و إجتماعية و أقتصادية و طائفية و قومية أفضت الى التفكك و الضعف الذي تسبب الخضوع لآيديولوجيات دون وطنية . سمحت لدول أقليمية بالتدخل و التمدد في المجتمع و الدولة التي فقدت عناصرها.
هيمنة قوى
هذا التشابك بين العقيدة و السياسة . بين القوى السياسية التقليدية و السياسية أنتج ثقافة الصمت و الرضوخ لهيمنة تلك القوى و الايمان بخطابها الذي أسهم بتطويق الوعي و ترويض الارادة ، و سرقة عشبة الأمل في عملية التغيير و الاصلاح .
و بذلك فأن الجمهور أصبح خاضعاً لجهات عدة يبحث عن ذاته في بيئة مضطربة أسهمت عوامل ذاتية و موضوعية في صناعتها .
أن الاستمرار بالاقتصاد الريعي -مثلاً- هو أحد الاسباب الرئيسة للتخلف والخضوع ، و ان تسجيل ملايين الافراد في شبكة الرعاية الاجتماعية و إنتشالهم من دون الى فوق خط الفقر و عدم أستثمار طاقاتهم في مشاريع زراعية و صناعية تسهم في تطوير البلد ، هو خطوة أو وسيلة للانقياد .
و الخضوع لا يأتي دائماً من الحب و إنما من الرغبة في الحصول على الحاجات الانسانية التي تلزم الانسان للرضوخ و أسباب أخرى مثلما يرى المفكر فالح مهدي منها رخص الانسان و وضاعته أمام السلطة أيا كانت ، تلك التي لا تحترم إنسانيته ، بل تقوم على اللعب بعواطفه و صياغته و تركيبه و تجريده من ملكاته العقلية التي تتمثل بالقدرة على الفحص و النقد و الاختيار و الامتثال لوعيه و ضميره ، فيما يتعلق بفكرة الخير و الشر مثلاً ، و وضع نفسه تحت تأثير فكرة أنه بائس لا حول له و لا قوة ، و ان خلاصه يكمن في الدفاع عن السلطة القائمة .بيد أن تلك الخطط و البرامج التي أعتمدتها السلطات و أدواتها الساندة من القوى التقليدية ، أخذ تأثيرها يتراجع . لذلك نجد حراكاً جماهيرياً يبزغ بين الحين و الاخر ، و هو يشكل بذرة أولى لنمو الوعي و تفكيك قيود صاغها ساسة ورموز أجتماعية ومذهبية . ورغم إنها تخبو نتيجة إصطدامها بسأليب القوة و التضليل و إشاعة الخوف ، و لكنها لا تهزم .أن أساليب الطاعة و الانقياد تقوم في الغالب في البيئة الغارقة بالامراض الاجتماعية ، التي تسهم كل القوى المتسيدة في المشهدين السياسي و الاجتماعي على تغذيتها وديمومتها بالمواربة مع الجمهور من خلال وسائل إعلام ممولة من النهب المنظم من المال العام و وسائل تواصل أسهمت في تردي ذوق المتلقي ، و أخرى للترويج لبرامجها و أساليبها في الحكم و القيادة و بذلك تطبق مقولة الثائر تشي غيفارا :عندما تتبول السلطات على الشعوب يأتي دور الاعلام ليقنعهم بأنها تمطر .
تعليقات
إرسال تعليق