القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب / نقلاً عن جريدة " الزمان " الدولية



يتفق علماء السسيولوجيا على أن مفهوم العصبية يقترن بروابط الدم و القرابة و تتسم بالانغلاق و الثبات و التمسك بالقيم والعادات و التقاليد و ارتبطت أيضا بالمعتقد إثر ظهور الدين الاسلامي وفي العصر الحديث توسلت بالايديولوجيا التي تعتمدها الحركات السياسية لتحقيق أهدافها . بيد أن المفكر الامريكي فرانسيس فوكوياما يقول عنها في (نهاية التاريخ) هي إنفعال شديد المشاكل خاص بالحياة السياسية , فالرغبة في الاعتراف أو العرفان بالتفوق على الاخرين يستدعي استخدام كلمة ذات أصل يوناني وهي megalothymia  وتعني العصبية , وهي تكشف عن نفسها في الطاغية الذي يغزو ويستعبد شعباَ مجاوراَ له حتى يقروا بسلطته و قوته .

هذه المفردة الشائعة أخذت تتمدد في بلدان كثيرة و مجتمعات عديدة , وتشكل أحد بنى نظم سياسية تتأطر بالديمقراطية , وهو ما يخالف أحد مبادئ الديمقراطية القائمة على المساواة و المواطنة و نزاهة الانتخابات , لان العصبية تقفز على الحرية و مقيدة لرغبات الفرد في الاختبار جراء استقرارها في مجتمع منقسم الى طوائف و اعراق و إثنيات و قبائل . لا تتخلى عنها بوصفها البيئة التي توفر الحماية والتفوق و تحقيق الرغبات جراء تراجع حماية الدولة .

ان صناعة الامريكان بعد الغزو لنظام هش في العراق لا تتوفر فيه مبادئ الديمقراطية التي حددها مكتب البيت الابيض ((كحقوق المعارضين السياسيين في العمل بحرية كاملة , ووضع قيود على السلطات التعسفية للدولة و بخاصة أعمال القبض والاحتجاز و التعذيب ضمن أشياء أخرى , وحقوق المواطنين في التنظيم في أقليات او حول أهتمامات اخرى ,والقضاء المستقل للرقابة على سلطة الدولة )) وأن الانتخابات كأحد آليات النظام الجديد هي شكلية , موسمية لا تلتقي في الغالب مع تلك المبادئ الديمقراطية و أشاعة قيمها التي تبدأ من المواطن الواعي بأهميتها , والاسرة و المجتمع لصناعة دولة وفق عملية سياسية يعرفها مهتمون بأنها الانشطة التي تعبر عن سعي الافراد داخل جماعتهم من أجل الحصول على القوة أو التي تعبر عن ممارستهم الفعلية لها من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية و مصالح جماعاتهم . والعملية السياسية بهذا المعنى هي محصلة التفاعلات الرسمية وغير الرسمية التي تتم بين الفاعلين السياسيين في أطار الايديولوجيا والثقافة السائدة من خلال الابنية والمؤسسات القائمة .

إذ أن سعي الافراد يرتبط بالتنشئة والجهات السياسية الفاعلة وغيرها من العوامل التي تقترن بالعملية السياسية  ، وهذه الفواعل مازالت تقوم على أرث من العصبيات أدت الى انخفاض الوعي السياسي لدى جمهور يخسر في كل انتخابات سلطته و قوته وقدرته على التغيير من خلال مصالح مادية آنية إذ أنفقت الاحزاب المشاركة في انتخابات عام 2018- حسب المفوضية العليا للانتخابات التي راقبت تمويل الاحزاب انفقت رسمياً أكثر من خمس مليارات دولار، أو أن الناخب يمنح توكيلاً ، لزعامات معينين لقناعات تدخل ضمن القدسية أو الايديولوجيا. مما أفضى الى اتخاذ القرارات من قبل هؤلاء الاشخاص أو النخب السياسية التي تقود العملية السياسية , وترك إضفاء الشرعية السياسية لهذا الجمهور الذي لايشارك في صنع القرار السياسي , وانما فقط بالانتخابات , و الاحزاب التي أصبحت غطاءاَ , ليس لتحقيق المصلحة العامة بوصفها قنوات للمشاركة السياسية , وانما لمنح الشرعية الموسمية وتحقيق المصالح الذاتية لتلك الاحزاب التي أنتشرت وانشطرت أميبياَ , وبلغ عددها أكثر من 250 حزباَ وهو ما يفوق عدد الاحزاب في معظم الدول الديمقراطية في العالم.

منظمات مسجلة

إضافة الى إنتشار منظمات المجتمع المدني البالغ عددها 3200  منظمة مسجلة و غير مسجلة و التي تعد أحد الاشكال المرتبطة بالديمقراطية غير أن العديد منها أيضا وهمية شكلية غير مؤثرة في صناعة مجتمع مدني جراء تغول العصبيات , وجُلها مطلبية تدخل ضمن واجبات الدولة المُلحة , أو انسانية مثل رعاية المعاقين و المسنين والاطفال والمرأة وليست منظمات مهمتها التعاون وتنظيم العلاقة بين الافراد والحفاظ على استقرار المجتمع . وتحتفظ بقدر من الاستقلالية و عدم الارتباط بالاحزاب التي أخذ قسم منها بتأسيس منظمات كواجهات انتخابية ومنافذ للحضور الاجتماعي و كسب ود الجمهور . ويؤكد فوكوياما أن الذي حل محل العصبية أو الرغبة في التفوق على الاخرين في المجتمعات الديمقراطية اتحاد من شيئين الاول هو تفتح الجزء الشهواني (الراغب) من النفس والذي يكشف عن نفسة من خلال العملية الاقتصادية في الحياة . أما الثاني فهو حب المساواة أي الرغبة في الاعتراف بالمساواة مع الاخرين . وأن كلمات مثل الكراهية والتقدير والاحترام وتقدير الذات , مثل هذه المفاهيم تتخلل حياتنا السياسية وهي ضرورية لفهم التحول الديمقراطي الذي حدث حول العالم .

وما يحدث لدينا هو الاستغلال مقابل غياب العدالة الاجتماعية . واستمرار عدم المساواة بين الافراد والفئات و المنظومات مع انظمة توالت على الحكم تقوم على الفرقة والانقسام مما أدى الى التمسك بالعصبية بحثاَ عن تقدير الذات , فيما يشهر الاخر المظلومية في مجتمع تلتقي فيه الكثير من المشتركات الثقافية والتاريخية والدينية و اللغوية التي يمكن لها أن تشكل منطلقاَ لوحدة الهوية الوطنية , لا الولاءات التحتية او الفرعية التي أصبحت قوتها تنافس قوة الدولة , بل ترفع السلاح بوجهها أحياناَ لتؤكد وحدتها وقوتها وتفوقها , وتحمل رسالة الغلبة لمجموعاتها العصبية من جهة و الخضوع للجماعات المغلوبة من جهة أخرى .

وهذا الامر يكشف عن أن الآليات الديمقراطية مجرد شكليات وتقاليد مصطنعة لا روح فيها طالما أستمرت الروح البدوية و القبلية في المجتمع ،فالتجربة الحالية تتطلب بلورة قاعدة جماهيرية داعمة لقيام دولة وطنية تلتقي فيها كل الهويات الثقافية من خلال صناديق الاقتراع ضمن تجربة الانتخابات القادمة . فهي المعيار لخلاص مجتمع عانى من تحديات جعلت البلد ساحة لتدخلات خارجية. فالمشاركة الواعية تعد مقدمة لبناء الدولة و تحجيم قوى اللادولة وتسهم بتحقيق تطلعات الشعب واستعادة القرار الوطني الذي ظل موزعاَ بين جهات أقليمية و دولية , بتواطؤ قوى داخلية بدواعي عصبية .

تعليقات

التنقل السريع