عدنان سمير دهيرب / نقلا عن جريدة "الزمان" الدولية
للمكان أثر،صوت،و ذاكرة ترتبط بالمرء تحمل صوراً وأحداثاً تشكل خصوصية لا يمكن التخلي عنها،البيت المحلة،المدينة والوطن الذي يتسم بفضاءات ثقافية متباينة و هوية واحدة. ثمة أحداث أقترن اسمها بالمكان وذاع حضورها لأثرها الباذخ في التاريخ،معارك،حوارات،بدايات ونهايات لوقائع كانت برزخاً لمرحلتين أو أكثر ،وقد شهد التاريخ القديم والمعاصر إشارات لتلك الاماكن تحفظها نصوص الاديان و مدونات التاريخ لما سطرت من بيانات ومعلومات و اتفاقات فرضت و اقعاً جديداً خلاف ما كان سائداً.
أماكن سفحت على ثراها الدماء،وشيدت فوقها ما أنتجته عبقرية الانسان ،لتظل أبداً آيات تثير الفخار أمام الذات و الآخر. وقد يمحى بعضها من جغرافية المنطقة،لقرار غبي أو تصرف سيئ وربما لسلوك من سلطة يشكل ذلك المكان لها هاجساً يجب التخلص منه. بيد أن إزالة ذلك لا يمكن أزاحته من الذاكرة و الرمزية التي يحملها،لاسيما وأنه يشكل الشرارة التي اوقدت ناراً وقبساً في تاريخ شعب كثورة العشرين. إذ أن هذا الأمر ينطبق مع بناية (السراي) التي أطلق منها سراح الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم و يؤكد الفريق سر إلمر هولدين قائد القوات البريطانية إبان ثورة العشرين أن أتباع الشيخ ثاروا في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الثلاثين من حزيران وأطلقوا النار على مكتب الحاكم السياسي،و على غرار ما جرى في السماوة قبل اسبوعين،ثم قتلوا الحارس العربي فية،و أطلقوا سراح شعلان،و هربت البقية من رجال الشرطة و تركوا الحاكم السياسي وحيداً.
أول اهزوجة
وبعد أن أطلق الرجال العشرة الذين هاجموا السراي ،سراح الشيخ و هم يهزجون (يا أبن الحر ممشاك براحة) أطلق الشيخ أول أهزوجة دعت الى الجهاد في الثورة حيث ردد ( حل فرض الخامس كوموله) ويعني بالفرض الخامس الجهاد.وقد أنطلقت الثورة من عشائر بني حجيم وظلت تقاتل الانكليز و حدها طيلة أسبوعين تقريباً دون أن يهب أحد من العشائر الاخرى لمساعدتها أو التخفيف عنها. أضف الى ذلك أن المعارك التي خاضها بنو حجيم خلال أشهر الثورة كانت أشد ضراوة و أكثر خسائراً من جميع معارك الثورة على الاطلاق و فوق ذلك نجدهم أخيراً لا يتوقفون عن القتال الا بشروط إتفقوا عليها مع الانكليز و لم تفرض عليهم فرضاً. تلك مأثرة قلما تضاهيها مأثرة أخرى في ثورة العشرين ،مثلما يرى الدكتور علي الوردي.و عود على بدء فأن السراي الذي اطلق منه سراح الشيخ قد تمت إزالته ،و شيد في عام 1937 مخفر للشرطة و هي البناية القائمة حالياً،وقد أكد لنا ذلك عدد من المشاركين في الثورة و أبنائهم خلال أستطلاع صحفي كتبته قبل أكثر من ثلاثة عقود .
ونشر انذاك في صحيفة القادسية،كما أن الصورة المرفقة لمبنى السراي تختلف من حيث الطراز والحجم عن المبنى الحالي،بيد أن بعض الباحثين و وسائل الاعلام في الوقت الحاضر عند تغطيتها السنوية لذكرى الثورة مازالت تشير الى المبنى القائم على انه السراي القديم و الحقيقة أن المبنى قد هدم منذ عقود،و أقيمت عليه مشيدات أخرى منها دائرة البريد و الاتصالات الحالية .
تعليقات
إرسال تعليق