عدنان سمير دهيرب / نقلا عن جريدة "الزمان " الدولية
في البيئة المضطربة و المجتمع غير المستقر و الدولة الهشة , يبدأ الخلاف من مفردات و فعاليات سياسية , تؤدي الى الصراع المضمر أو المعلن إستناداَ الى معطيات الواقع المشحون بايديولوجيات مختلفة و عصبيات مستقرة في قاع المجتمع الذي يتسم بالاستقرار النسبي أحياناَ و المضطرب غالباَ , مع استمرار الأزمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الامنية , التي طالما ترافقها خطابات مختلفة حد التناقض في وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي , التي أضحت منابر وروافد تغذي الخلافات مستفيدة من مخزون العصبيات كنظام ثابت ومغلق بالتقاليد والقيم والروابط من جهة , وعدم تفعيل التشريعات و القوانين من جهة أخرى , التي من شأنها أن تضبط خطابات مستخدمي تلك الوسائل المتاحة لجمهور , وجد فيها مساحة كبيرة لحرية التعبير عن الرأي , لجمهور مختلف في مستوى الوعي والادراك ومعرفة أثر الكلمة لاسيما في الفعاليات ذات الصبغة المذهبية والقومية و الاثنية التي تشكل أحد أهم أسباب التوتر في المجتمع مع ايديولوجيا أحزاب تتخذ من تلك الفعاليات والهويات العصبوية وسيلة لتحقيق غاياتها من خلال التأثير المتبادل و المخاتلة في عماية الاقناع.
صراع سلمي
ويرى المفكرمصطفى حجازي أن فيروس العنف موجود دائماَ في بنية العصبية ذاتها . يظل كامناَ في حالات الصراع السلمي , وينشر وباءه في حالات حروب الهوية والتصفيات العرقية أو الطائفية أو الاثنية أو حتى السياسية . العصبية من حيث بنيتها ذاتها تتضمن دائماَ شحنة عدوانية قابلة لأن تتحول الى صراعات دامية وتصفيات مع الخارج . ذلك أن أوالية الانشطار الانفعالي المميزة لها تجعل هذا الامر شبة محتوم حيث تتوفر الظروف الخارجية و الذاتية.
وقد شهد البلد خلال الشهور المنصرمة تحديات كثيرة تأتي استمراراَ لتحديات متراكمة واجهها النظام السياسي المضطرب كشفت عن ديناميات الانقسام و خطاب الكراهية , الذي صدر أول تعريف له في الولايات المتحدة الامريكية و يشير الى أنه الخطاب الذي يدعو الى أعمال العنف أو جرائم الكراهية , الخطاب الذي يخلق مناخاَ من الكراهية , والاحكام المسبقة التي قد تتحول الى تشجيع إرتكاب جرائم الكراهية .
ونرى أنه كل قول , رمز وفعل ينطوي على إساءة الى ثوابت و معتقدات الآخر , ويؤدي الى العنف والصراع والهجرة و ضياع الممتلكات المادية والحاجات الانسانية وغياب الاستقرار و التعايش المجتمعي .
هذه الصفات والوقائع كانت ملازمة للواقع العراقي ,مع استمرار الازمات التي أضحت أحدى علامات ذلك الواقع مما أثر على سلوكيات الافراد والجماعات مقترنة بصعود جهات سياسية في أعلى سلم السلطة تشتغل على تغذية الخلافات المذهبية والصراعات القومية ضمن نظام سياسي أتحذ من المحاصصة طريقاَ للحكم بذريعة درء الفتنة , مما أنعكس على البيئة الاجتماعية و السياسية الهشة . إضافة الى ولادة أذرع مسلحة لسلطات أهلية انتجتها تلك البيئة , وأصبح العنف السياسي سائداَ , لدى الاحزاب المتسيدة على المشهد السياسي , وقد عرف عالم الاحتماعي بول ويلكنسون العنف السياسي بأنه ((استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الاذى و الضرر بالاخرين لتحقيق أهداف سياسية )) ورافق ذلك أستخدام خطاب الكراهية من خلال وسائل الاعلام و الاتصال الحديثة , فقد رصد المركز الوطني لمواجهه خطاب الكراهية في العراق 135 حساباَ على موقع الفيس بوك تعمل على هدم السلم الاجتماعي وتضع صوراَ لرموز دينية وسياسية وقادة كتل حزبية خلال الربع الاول من العام الحالي فيما رصد مركز مكافحة الشائعات في وزارة الداخلية 236 شائعة و خبر مزيف خلال اسبوع واحد بعد اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح و ظهور دعوات لتهديم مرقد (ابو حنيفة النعمان) و قبلها إزلة تمثال (ابو جعفر المنصور) لأسباب مذهبية و سرديات تاريخية . فضلاَ عن التصريحات التي يطلقها مسؤولين في الدولة عبر وسائل الاعلام تشير الى تعميق الكراهية وتؤجج العنف بين ابناء المجتمع و تشوه صورة الدولة.
أن وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي التي تغذي خطاب الكراهية تستدعي المراقبة و اتخاذ الاجراءت القانونية من قبل الدولة وفق المعايير الدولية , إذ أن العديد من الدول شهدت ظروفاَ مشابهة للواقع العراقي , واصدرت قوانين واتخذت تدابير سياسية وقانونية حالت دون استمرار العنف والقضاء عليه .
وضرورة الافادة من مدونات شركات منصات التواصل حول خطاب الكراهية التي تعتمدها في التعامل مع المستخدمين والغاء حساباتهم , أي التنسيق مع المراكز المسؤولة لتلك المنصات فقد أشار موقع Youtube في أحد بنوده الى (( نشجع الخطاب الحر و ندافع عن حق كل شخص في التعبير عن وجهات نظره , الا اننا لا نسمح بخطاب الكراهية , وهو الخطاب الذي يهاجم أو يذل مجموعة معينة , بناءاَ على عرقها أو أصولها الأثنيه او دينها أو إعاقتها أو نوعها الاجتماعي أو هويتها )) وهذا الأمر ينسحب على مدونات شركات مواقع تواصل أخرى , يستخدمها الجمهور , والتي تتشابك في الغالب بطريقة معقدة مع حرية التعبير عن الرأي إزاء القضايا و الاحداث التي تقع جراء استمرار الازمات والصراعات السياسية و الطائفية و العرقية , مما استدعى المنظمات الدولية الى وضع معايير تحول دون الخلط بينهما . إذ وضعت الشرعة الدولية معالجات تراعي حقوق الانسان وتردع خطاب الكراهية والتحريض ضد الآخر .
أضافة الى الالتزام بالمعايير المهنية والاخلاقية للعاملين في وسائل الاعلام. وتأسيس جهات رقابية مستقلة – فعلاَ لا شكلاّ- من الاكاديميين والمهنيين ليس لها علاقة بالاحزاب كالهيئات القائمة حالياَ و المهيمنة عليها، بل تعدها أذرعاَ وأدوات لهذه الجهة أو تلك إمتداداَ لنظام المحاصصة .وأن تكون قراراتها ملزمة التنفيذ بحق وسائل الاعلام و التواصل التي تحض على الكراهية استناداَ الى المواد الواردة في الدستور وقانون الارهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005. وتشريع قانون حق الحصول على المعلومة التي تشكل مصداقيتها ودقتها و توازن طرح الاراء واشاعة روح التسامح و التعايش في تلك الوسائل أحد عوامل لجم خطاب الكراهية و عدم نشر ثقافة العنف اللاتي أصبحا يهددان بناء الأسرة والقيم السامية للمجتمع العراقي المهدد بالانهيار.
تعليقات
إرسال تعليق