القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

 عدنان سمير دهيرب



لم يعد وقوع الاحداث الكبيرة التي تحصل بين الحين والآخر تثير الدهشة والغرابة , لدى جيل الستينات ومثلهم جيلي الخمسينات والسبعينات , مع تباين الظروف والحالات المحيطة بهم ومستوى الوعي والادراك بين الافراد والجماعات . أشير الى جيل الستينات ومن خلالهم الى الاجيال الاخرى لتقارب الاحداث التي عاشها هؤلاء , أحداث أفضت الى متغيرات كثيرة , غيرت احياناً يقينياتهم بأفكار وآيديولوجيات آمنوا بها لسنوات طويلة شكلت قوى سياسية واجتماعية وفكرية , غير أنها تراجعت مع تغير النظم السياسية وسيطرة قوى سياسية وايديولوجيات مناهضة لسنوات طويلة .

لا نريد طرح الاحداث المهمة التي غيرت وجه العالم ومدى تداعياتها على الداخل العربي والعراقي كانهيار الاتحاد السوفيتي , واحداث 11 ايلول فقط، وإنما حصول ما يسمى بالربيع العربي وتحطم اصنام السلطة التي استمرت بقيادة أهم البلدان العربية , وبروز ايديولوجيات لقوى سياسية اتسمت بالمذهبية ,منحت دفقاً آخر للتطرف والاصوليات الدينية التي كشفت عن الوجه الحقيقي لواقع عربي مازال يعيش في الماضي لتمسكه بنصوص بعيدة عن حركة الزمن وتقدم الشعوب .

ان الاحداث الصادمة التي كان جيل الستينات المحرك والوقود فيها بدءاً من حرب الخليج الثانية والحصار ونشوب حرب الخليج الثالثة التي غيرت كل المعادلات واخذت تؤثر بل تقود المشهد السياسي العربي باتجاه مغاير لما كان سائداً .

في تلك العقود كان السائد ايديولوجيا الايمان بشعارات (وطن حر وشعب سعيد) وآخر (أمة عربية واحدة ... ) وغيرها من الشعارات والخطابات والهتافات التي آمنت بها أجيال , وعاشت على احلامها , وقدمت التضحيات الجسام لتطبيق ولو جزءاً منها , ولكنها فشلت .

وكانت مقولة سننتصر دون أن نرمي اليهود في البحر , وتحرير فلسطين , يلتقي مع تلك الشعارات التي آمن بها حشود من الناس وحروب مجنونة لم نجنِ منها سوى الخراب . 

ففي حرب الثمانينات استناداً لدراسات مختصة قدرت خسائر العراق أكثر من 452 مليار دولار وخسائر بشرية تقدر ب 300 الف قتيل , فيما كانت خسائر الحرب الثانية تقدر ب 170 مليار دولار , و120 – 150 الف قتيل عسكري و15 الف مدني أضافة الى مقتل 20 الف خلال انتفاضة عام 1991 . وقد استمر الاستنزاف للموارد البشرية والاقتصادية بعد حرب عام 2003 والتي وصلت الى اكثر من 500 الف انسان مدني وعسكري، مما ادى الى انهيار البنية الاقتصادية ولاجتماعية ودمار لا يمكن معالجته خلال فترة قصيرة. 

يقول الروائي الروسي تولستوي .. حرب يوم واحد، بحاجة الى عام من الاعمار. إذن كيف بحروب استمرت اربعة عقود وما زالت قائمة.

واقع فرض معطيات جديدة باهظة الثمن , مختلفة عن فحوى تلك الشعارات التي افضت الى احتلال وتفكك العراق واصبح المعضلة الاولى في الشرق الاوسط , والخبر الابرز لوسائل الاعلام والاتصال , وساحة للصراع الاقليمي والدولي , ومشكلة لمراكز البحوث والدراسات التي تسعى لطرح الحلول والمعالجات .

وغدت قضية فلسطين في هامش الاخبار إذ تقدمت عليها أخبار تسابق الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل وتبادل فتح السفارات بينهما , وأصبحت تلك القضية التي شغلت العرب نصف قرن بعيدة عن اهتمامات الجمهور الذي اقتحمت حياته مشكلات اخرى وقضايا تتعلق بوجوده وحاجاته الانسانية فضلاً عن تفجر قضية ظلت مستقرة في قاع المجتمع وعمقه التأريخي , مسألة الطائفية السياسية المهيمنة بغطاء لاهوتي ترفض الازاحة .

فعلم الاجتماع من كارل ماركس وماكس فيبر حتى بيير بورديو يقول إن ايديولوجيا الفئة المهيمنة تاريخياً على المجتمع تصبح بمرور الزمن المتطاول ايديولوجيا المجتمع عامة . بل أكثر من ذلك تصبح بدهية أو تحصيل حاصل وتنال شرعية مطلقة لا تناقش ولا تمس . ولا يعود مسموحاً طرح أي تساؤل عنها أو عن مشروعيتها من قبل أي شخص كان وبخاصة من قبل المهيمنين عليهم . ولذلك فعندما تحاول الفئات المضطهدة أن تثور على قانون الهيمنة الراسخ هذا فأنها تجابه فوراً بالرد العنيف والصارم . من هنا تفهم التفجيرات المروعة التي تصيب شيعة العراق . ( هاشم صالح , الانسداد التاريخي , ص72 )

فهل نحن بحاجة الى صحوة , تغير المفاهيم وترمم الذات . واصلاح ديني , وثورات فكرية وتنويرية ونهضة صناعية مثلما حدث في اوربا , يقيناً تلك الخطوات ضرورة لا يمكن تجاوزها , إذا ما عزمنا على التغيير , فالحماسة والانعتاق والوعي الثوري العفوي صوب الحرية الذي ظهر تالياً من خلال احتجاجات تشرين والقوى الاجتماعية الساندة لها من الاجيال التي سبقتها , لا تكفي رغم أهميتها والحماسة التي تمتاز بها , إذ يجب بناء الذات ومواجهة الحقائق الراسخة كجزء مهم لتحقيق حلم التغيير والاصلاح الذي ظل مستمراً مع تلك الاجيال التي لم يعد هذا الواقع غريباً عنها , لفرط الظروف المؤلمة والاحداث الصادمة التي عاشتها والتي لا يمكن ان تندحر وتذهب ادراج الرياح مع نمو بذور الوعي للجيل الجديد الطامح للحرية والعدالة الاجتماعية . 

تعليقات

التنقل السريع