القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

 عدنان سمير دهيرب/نقلا عن جريدة الزمان الدولية




الثابت أن مهنة الصحافة إبان النظام السابق بوصفه نظاماً شمولياً , تُعد وظيفة تخلو من الابداع الفكري والرقابة على عمل المؤسسات الحكومية ونقد القضايا السلبية التي تطرأ بين الحين والاخر. وان حرية التفكير والتعبير عن الرأي قمعت بقوانين وقرارات لا يمكن للعاملين في حقل الصحافة تجاوزها , حتى أضحت الرقابة الذاتية تسبق حارس البوابة الذي يتحكم بالمؤسسات والوسائل الاعلامية , التي تتشابه في بنيتها ومرجعيتها وأهدافها . غير أن العاملين في هذا الميدان الحيوي يتعاملون مهنياً لتطبيق قواعد العمل الصحفي وصياغة كل الانواع الصحفية وفق قوالب علمية ومهنية ,

ففي عام 1986 أجريت لقاءا صحفياً مع عالم  الاجتماع الدكتور علي الوردي حول أسباب التبذير عند اقامة الولائم في المناسبات باحتسابها جزءاً من الثقافة المادية للمجتمع العراقي  .

غير أن الموضوع الذي تضمن رأي الوردي , واعتقدت حينها لا يتقاطع مع خطاب او سياسة الصحيفة , نشر في صحيفة القادسية آنذاك, وكان سبباً بنقلي الى الفوج الثاني لواء 48 الذي كان يقاتل جنوده في منطقة الفاو , إبان حرب الخليج الاولى , إذ كانت المعارك طاحنة خسر فيها العراق أكثر من خمسين الف مقاتل من أجل تحرير الفاو .

وعلمت حين وصلت مقر الفوج برفقة الاديب نجم عبدالله الجابري ان عدد افراده الاحياء 35 جندي فقط من اصل 750 جندي .

وقد فسر رأي الوردي بأنه بالضد من الفعاليات التي يقوم بها صدام حسين رئيس النظام السابق وتتمثل بأقامته لولائم الفطور في شهر رمضان لمجموعات من الناس في القصر الجمهوري .

وبالرغم من موافقة حارس بوابة الصحيفة – مدير  التحرير- على نشر اللقاء , ولكنه تخلى عن موافقته حين بدأت الاتصالات الهاتفية من مسؤولين في القصر الجمهوري ووزارة الثقافة والاعلام بتأويل رأي الوردي على أنه نقد لفعالية الرئيس بأقامة تلك الولائم وحجمها وتبذير الاكل فيها, والتي تعرض من على شاشات التلفاز .

وقد حاول الدكتور الوردي مقابلة رئيس التحرير عبدالجبار محسن لتوضيح رأيه ولكن الاخير رفض مقابلته وحين اتصل به طه البصري نقيب الصحفيين العراقيين للعدول عن قرار العقوبة , أصر على تطبيقها .

بيد ان تضامن الزملاء والاصدقاء النبلاء من محررين ومسؤولي الصفحات – واذكر منهم – عبد الرزاق المرجاني , د. أحمد عبد المجيد , عدنان الكناني , علي عودة حافظ , عبد الحسين عبد الرزاق , عبد الامير الفيصل ورافد حداد واخرون من الزملاء كان تضامناً مميزاً من خلال اتاحتهم لنا بنشر موضوعات في شتى الانواع الصحفية لارسال رسالة لرئيس التحرير وغيره من المعنيين , ان الرأي المنشور لا يتوافق بالضرورة يومياً رأي الصحفي في محاولة لألغاء او التراجع عن العقوبة , غير انها لم تنفع .

وظل الموقف المهني والانساني للزملاء مستقراً لم يبرح من الذاكرة رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً .

وكان رأي الوردي هو “ان هذه العادات والتقاليد الموروثة هي من بقايا قرون الانحطاط التي أصابت المجتمع العراقي إبان الاحتلال العثماني والبريطاني . وكذلك من قيم البداوة التي كانت سائدة وما زالت قائمة لغاية اليوم . ويقيناً أن هذه العادات التي أضحت جزءاً واضحاً ورئيساً في حياتنا تتناقض او لا تلتقي مع الحضارة وروح العصر الذي نعيشه . وبالرغم من أن الاسلام سبق الحضارة الغربية في مفهوم العطاء وبذل المال الى الفقراء والمساكين وابناء السبيل . بيد أننا ما زلنا نتمسك بهذه السلوكيات التي غدت جزءاً من ثقافة المجتمع . وهذه العادات تهدف الى الوجاهة وليس الى الكرم .

وان بذل الطعام جاء لاثبات ان الرجل المضياف يريد ان يثبت انه كريم مضياف لا يبالي ببذل المال من اجل الضيوف بلا حدود. وهنا يجب ان نشير الى ان بذل الطعام بهذه الصورة ينسجم مع قيم طبيعة البداوة ولكنه لا ينسجم مع طبيعة الحضارة . فالبداوة والحضارة كما قال ابن خلدون متناقضتان في كثير من قيمهما فما ينسجم مع احدهما قد لا ينسجم مع الاخرى .

وعودٌ على بدء فأننا تحررنا من قيود الاستبداد لنتحول الى حرية تلامس الفوضى , وما زلنا نمارس التبذير في الولائم لغرض الوجاهة , التي تتطلب التوجيه من قبل قادة الرأي في المجتمع بضرورة التخلص من هذه العادات التي يتمسك بها الكثير من ابناء المجتمع العراقي .



تعليقات

التنقل السريع