القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

محطات روائية .. رواية تحطم كل التوقعات

 كريم السماوي


     حين كتب الروائي النرويجي جوستاين غاردر ( 1952 ـ **** ) رواية " عالـَـم صوفي " كان يتوقع لها نجاحا ملموسا، غير أنه تفاجأ بأنها نقلته نحو العالـَـمية وهو مدى أبعد من المتوقع، بعد أن كانت روايته السابقة " سر الصبر " سببا في تقديمه للنرويج كروائي متميز، بيع من " عالـَـم صوفي " أكثر من 30 مليون نسخة، وتـُرجمت إلى أكثر من 50 لغة عالـَـمية، وتحولت إلى فيلم سينمائي ولعبة فيديو وأسس مؤلفها جائزة تـُعنى بالبيئة، وهذا بالمجمل يفوق توقعات النقاد ويفوق حتى توقعات مؤلفها فكتب يقول:"  لو كنتُ أعلم بأنّ عالـَـم صوفي سيكون لها هذا الشأن لأبحرت جيدا في أعماقها ". فما هو سر نجاح هذه الرواية؟!

     السر يكمن في أن غاردر استطاع أن يستخلص من الفلسفة رواية تتحدث عن عالـَـم الفلسفة المعقد بطريقة مشوقة، وذلك نابع من أن غاردر بالأصل أستاذ للفلسفة ويمتهن التعليم جنبا إلى جنب مع ممارسته للأدب وتحديدا " عالـَـم الرواية ". والفلسفة ليست شيئا يمكن تعلمه وإنما يمكن تعلـّم التفكير بطريقة فلسفية، وأن إدراك الإنسان لجهله هو شكل من أشكال المعرفة، فالفلسفة شيء واجه كل جيل، بل وكل فرد، ولهذا فالإنسان دائم البحث عن ذاته وعن وجوده والكون من حوله، ولهذا أيضا طرح غاردر أسئلة على بطلة روايته الفتاة اليافعة " صوفي " من خلال رسائل تحمل شفرات البحث عن الذات والوجود أهمها " مَن أنتِ؟ " و " من أين جاء العالم؟! " 

     جوستاين غاردر أبحر بالتأكيد في روايته " عالـَـم صوفي " حين حرك بأسئلته مخيلة فتاته " صوفي " لتدخل عالـَـم الفلسفة من باب البحث في سر الحياة الملغـّـز. وهنا استعرض واستثمر غاردر معرفته بالفلسفة كأستاذ يدرسها ليعرفنا بالفلاسفة اليونانيين الكبار، سقراط، أفلاطون، أرسطو، وانعطافة المدرسة الفلسفية بريادتهم، واعتنائها بدراسة الإنسان وموقعه في المجتمع، قبل أن يعرّفنا بفلسفة القرون الوسطى التي استمرت ألف سنة، مرورا بالفلسفة الإسلامية وأهم المدارس الفلسفية والفلاسفة العظام. وخلص إلى الاستشهاد بمقولة الأديب والفيلسوف الألماني غوتة:" الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة ". ويوصلنا بطريقته الساحرة الناعمة إلى التفكير بالوجود والواجد الخالق لفهم السر الإلهي، ذلك النور الأزلي الذي كلما اقتربنا منه وضحت الرؤيا وكلما ابتعدنا عنه اقتربنا من العتمة!!..

                    


تعليقات

التنقل السريع