القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة في ديوان "حين يتكرّرُ الوقت، يتوقّف.." للشاعر "سعد ناجي علوان"

 نوميديا جروفي


الشاعر "سعد ناجي علوان" مواليد الديوانية، العراق.عضو إتّحاد أدباء و كُتّاب العراق، يكتب في النقد السينمائي إضافة لكتابة الشّعر. ينشُر في العديد من الصّحف العراقيّة، أهمّها صحف الصّباح، المدى و المنارة و المجلات الفنيّة و الأدبيّة. عضو مُؤسّس لنادي السينما في الديوانيّة.له العديد من القصائد و المقالات الأدبيّة و السينمائيّة في المواقع الأدبيّة و الفنيّة و المجلاّت على النت. و مؤخّرا يُعدّ لمجموعة شعريّة جديدة عنوانها ( خزف سماوي).

 

و موضوع دراستي هنا ديوان ( حين يتكرّر الوقت.. يتوقّف..)

 

في قصيدته (بدء) يقول:

 

الكلّ يكذب

حين يتّسع الوقت

للصّدق

 

تحدّث عن المنافق الذي يٌقال عنه: لسانه يسرّ و قلبه يضرّ، قوله جميل و فعله الدّاء الدّفين.

و الكذّاب حديثه شيء و حقيقته شيء آخر. و صدق القائل: نحن في زمن يملؤه الكذب لدرجة أنّه أصبح هناك لعبة الصّراحة.

و صدق الإمام عليّ في قوله: لا خير في وُدّ امرئ مُتملّق حلو اللّسان     و قلبه يتلهّب، يلقاك يحلف أنّه بك واثق، و إذا توارى منك فهو العقرب، يُعطيك من طرف اللّسان حلاوة و يروغ منك كما يروغ الثّعلب.

 

و في قصيدته (وجع) يقول:

 

إذ يرحلون دون وداع الأمّهات

و الصّباح يأفل على خشب

البنادق

أحتاج لكثير من الجرأة..

لأنظر إلى شجرة

 

إنّهم الشهداء الأبرار الذين رحلوا دون وداع الأمهات، إنّهم الأبرياء و خيرة الشباب في ذلك الزمن الذين ضحّوا بالنفس و النفيس و ماتوا غرباء و لم يودّعوا أمّهاتهم و لم يكن لهم شرف ذلك الوداع المقدّس من أمّهات أصبحن ثكالى و دموعهنّ تسيلُ على فلذات أكبادهنّ الذين غادروا دون عودة.

 

و في قصيدته (نسيان) يقول:

 

أفق هجرته الطّير

و غفت سنابله

لون يتكسّر

و لا تنعكس الشّمس عليه

و الأصابع تجهله

 

شبّه الشاعر فصل الخريف بالنسيان، الشهر الذي تهاجر فيه الطيور بعيدا، الشهر الذي يكون لونه باهت حزين. هو الشّهر الذي يكشف عن حقيقة الأشخاص كما الأوراق، بعضها تسقط في أوّله، و منها من يبقى مرتبطا بأصله مهما كان الخريف مُكابرا. و قلّة من يفهم أنّ جنون الرّبيع إنّما هو وليد حزن الخريف.

 

 

و في قصيدته ( قمر عاشوراء) يقول:

 

قمر في الأرض

قمر في السماء

قمر في الشّرفات المزدانة بالحمد لبيوت الربّ

قمر للأرامل .. قمر لليتامى

قمر لزهوّ الحسين و حربه

قمر لزينب تحت ليل السّبايا

قمر للغريب

قمر لا يغيب

 

أخذنا الشاعر لعاشوراء و حزن عاشوراء و مقتل شهداء عاشوراء.

شبّه الشاعر الحسين بقمر عاشوراء في كربلاء، القمر المنير في الليلة الحالكة السواد و شديدة الظلمة. جعله منيرا في تلك الليلة التي مازلنا نبكيه و نرثيه ليومنا هذا و نلبس السواد.

إنّها الليلة التي ذهب فيها الشهداء و سالت دمائهم الطاهرة الزكيّة.

وقيل عنه: إنّ لدم الحسين حرارة في نفوس المؤمنين لن تبرد أبدا.

 

و في قصيدته (نتوء) يقول:

 

نهارات من أسلحة تتكدّس

يعلو فوق بيوت الربّ غبار

وطني

لعبة رمل تتكرّر

بيد الصّبيان

 

عندما قال الشاعر: وطني.. لعبة رمل تتكرّر أخذنا مباشرة للأحزان المتوالية التي لم تزل ليومنا هذا منذ دهر و عصور في العراق الذي لم تجفّ دمعته.

منذ بدأ التأريخ و العراق حزين و يدور في دوّامة الحزن كلعبة الرمل التي نقلبها كلما تنتهي لتبدأ من جديد، هكذا هي آلام العراق لا تنتهي أبدا و لا نعلم متى تتوقّف و تعمّ الفرحة و السكينة في البيوت التي ذرفت فيها كلّ أمّ دموعا على من ذهب و لم يعد في زمن البعث.

 

و في قصيدته ( تحيّة لشاعر ) يقول:

 

في الصّباح وقت ما

للقصيدة

للذكرى.. للألم

و لليقين بعمق

أنت بذات الحزن

ستبقى وحدك

 

وحده الشاعر يبكي في جحيم الكلمات، وسط دغل من أساطير تداعت،      و سحاب من رماد الأمنيّات، و ظلال من بقايا حلم، تمتدّ من الفجر الرّمادي إلى اللّيل، لتفنى في حقول الذّكريات.

 

 

و في قصيدته ( تسام) يقول:

 

أن تكون دون أب

شجرة تورّق في الخريف

دون دمعتين

 

جعل غياب الأب و فقدانه كتلك الشجرة التي تورّق في الخريف لشدّة الحزن و بكاء أخرس من دون دمعتين، بكاء من نوع خاصّ، بكاء لا يفهمه سوى يتيم الأب الذي فقد حضنه الدافئ و ذلك الصدر الذي يشبه الوطن.

 

و في قصيدته ( طفولة ) يقول:

 

حول السبورة

في الساحات

في الفم

و في حديقة المنزل

ورد أقسى من أسلاك

 

عاد الشاعر للطفولة و حنين لزمن البراءة و ذلك الزمن الجميل حيث كانت السبورة في المدارس في الساحات و الكل يتعلّم  و الجميع مسرورون مبتسمون عكس زمننا هذا التي غادرت فيه البسمة الشفاه لكثرة الأحزان.

قصيدة وطن تحولت وروده لأشواك و أسلاك شائكة تدمي الأيادي.

 

و في قصيدته (بلادي) يقول:

الجنوب

أقنعة البلاد

فم الجغرافيا

حيث يتكسّر ظلّ الجنرال

ينبت العنبر فوق الأجساد

التي لم يحصها الرصاص

 

إنّها قصيدة ذات عمق و مفهوم كبيرين، تعود للثمانينات في الجنوب في حرب الخليج التي ذهب فيها خيرة شبان العراق في ذلك الزمن الوحشي و الهمجيّ و الديكتاتوري، زمن دفع فيها الآباء ثمن رصاص أبنائهم، و أجساد دُفنت حيّة في مقابر جماعيّة لم يمسسها الرّصاص.

 

في الختـــام:

 

الشاعر "سعد ناجي علوان" ذو كتابات تحمل معاني عميقة، و هو يعتمد على البساطة في شعره التي يفهمها القارئ دون صعوبات.

ديوان حمل في طيّاته الكثير من زمن جميل ذهب دون عودة، أحزان لوطن منهوب، حنين للأب و الأم ، كما أخذنا لمراسيم عاشوراء في كربلاء، و ذكر لهمجية زمن يبقى كابوسا لا يُنسى لويلاته التي عاشها الشعب العراقي.

تعليقات

التنقل السريع