كتب/ سامر المشعل
فنان أنيق في مظهره وفنه، غادر العراق منتصف السبعينيات من القرن الماضي، فتعددت محطات اغترابه، ليستقر أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية، انقطعت أخبار الفنان رعد بركات ولم نعد نراه يطل علينا من شاشات الفضائيات، على الرغم من عدم توقفه عن إنتاج الأغاني الوطنية، إلا أنه بعيد عن الضوء الإعلامي الذي يتناول أعماله!.
طرقنا باب الفنان الوسيم رعد بركات في غربته، ليطل على القراء ويتعرفوا على أهم أعماله ونشاطاته ورؤاه لما يدور في ساحة الفن الغنائي.
وقبل أنْ نتجاذب أطراف الحديث مع الفنان المثقف رعد بركات، ليبث شجونه وافكاره .. لخص رحلته الفنية التي بدأت منذ العام 1976 كعازف كيتار في فرقة الاذاعة والتلفزيون، ثم أصبح بالعام 1980 مطرباً محترفاً، معززاً موهبته بالدراسة في معهد الفنون الجميلة، وقدم العديد من أغاني الاطفال برفقة الفنان الكبير حسين قدوري، واول ظهور له في التلفزيون كان بأغنية " نظرات حبيبي " في العام 1982، ثم تواصلت أعماله الغنائية وشكل ثنائياً مع الفنانة انيتا بينامين تمخضت عنه مجموعة من الاغاني الجميلة منها: "لا تنساني"، "علموني"، "وما ني صحت" للملحن الراحل عباس جميل، وأغنية الشهرة التي انطلق منها للجمهور كانت " بيتنا ونلعب بيه".
كما كانت له اسهامات في مجال التمثيل، واول ظهور له كممثل كان في فيلم " البندول " للمخرج كارلو هارتيون العام 1978، هذا الى جانب اشتراكه في اعمال مسرحية تتحدث عن اوجاع الوطن وارتهانه من قبل النظام الدكتاتوري السابق ونزواته الوحشية، مع الفنان فؤاد سالم وغزوة الخالدي في مسرحية " الشمس تشرق من هناك" ومسرحية " عزف سومري " للمخرج الراحل كريم جثير العام 1999 وغيرها من الاعمال.
قصائد جريئة
محطة الاغتراب الاولى في حياة الفنان رعد بركات كانت في اليمن العام 1996 ،اذ عمل فيها استاذاً للموسيقى في المدرسة الاميركية في صنعاء، وقدم في هذه الفترة مجموعة من القصائد الجريئة التي تندد بالسلطة، وكانت اذاعة " العراق الحر " تبث اغانيه باستمرار.
اما محطة الاغتراب الاخيرة فكانت الولايات المتحدة الاميركية، التي استقر فيها منذ أكثر من عشرين سنة، ولم يتوقف عن انتاج القصائد الوطنية، التي ينتقيها بذائقة جمالية عالية وعادة ما تكون مغمسة بالوجع العراقي، وعن ذلك يقول بركات : الوطن هو الخيمة التي تحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وعندما يتهدد الوطن، يصبح الهم، كيف نحصن خيمتنا من الاخطار المحدقة باهلنا ؟ هذه مسؤولية المثقف، فهو يعكس معاناة وطنه بالقصيدة والاغنية والمسرحية والدراما.. لذلك العنوان الاكبر في اعمالي الغنائية منذ ربع قرن هو الوطن، ولهذا السبب ابتعدت عن تقديم الاغاني العاطفية، وعندما نحقق الاستقرار السياسي وننعم بالحرية والرفاه، عند ذلك من الممكن أن نلتفت الى اغاني الغزل والشوق للحبيبة.
المتابع لاعمال الفنان رعد بركات يلمس نضجا في الاداء والصياغات اللحنية، فضلا عن تضمينه لبعض المقامات والاطوار الريفية في اعماله وعن مدى استفادته من محطات الاغتراب واطلاعه على ثقافات الشعوب الاخرى يقول " الفنان المبدع لا بد أن يخط له اسلوباً خاصاً بالتعبير عن موهبته، حاولت أن اكون مختلفاً وأن اقدم شيئاً جديداً، اما من ناحية توظيف التراث، فهي تلميحات للجذور التي غذتنا معرفياً وذوقياً، امر عليها بشكل سريع، كي اقول نحن ننتمي لهذه التربة، واحياناً استخدم اغاني فيروز فهي ايضا جزء من عقلنا الجمعي".
ويضيف بركات " نضجت ادواتي نتيجة لدراستي الموسيقى الغربية والاستفادة من التجارب التي سبقتني، وأكثر مدرسة اثرت بي، هي مدرسة الرحابنة، عاصي وزياد اثرا بي بشكل كبير، فالرحابنة قدموا رسالة عالمية مكتنزة الجمال من دون أن تتخلى عن الجذور الشرقية.
لم يكتف بركات بتلحين واداء قصائده، انما يهتم بتنفيذ اعماله فيديويا وبهذا الصدد يرى " ان الكثير من الاغاني تنقصها الفكرة التي تتسق مع ما يطرح من اعمال، لذلك انا من يرسم الصورة الفيديوية في اعمالي الغنائية".
الاحتجاج على الموت
يصر بركات على تقديم القصيدة الغنائية على الرغم من ان الاغنية الشعبية هي اسهل وأكثر انتشارا.. لكنه يقول " أنا قارئ جيد للقصائد، وأرى ان هناك نصوصا تستحق أن تخلد، فهي تلامس الجرح العراقي والعربي، وأكثر ثراء بالمعنى واوسع مساحة لفهم المتلقي، من الاغنية الشعبية التي تكون غارقة بالمحلية وفقيرة في البناء الموسيقي.. وعندما يطغى الموت الرخيص على حياتنا، فأنت تبحث عن لغة مناسبة لاحتجاجك على الموت، فاجد بالقصيدة انتفاضتي الانسانية.
أما بخصوص الاغاني العاطفية التي نسمعها هذه الايام، فيرى بركات انها " أغانٍ نمطية ذات مقام وايقاع واحد ليس فيها جهد موسيقي، أغانٍ ساذجة ومتشابهة، وأغلب النصوص وضيعة وبعيدة عن الواقع، فيها اساءة للمرأة، وهذا يعني أن هناك انحداراً بالثقافة لتقبل هذه الاغاني".
يتهم بركات القنوات الاعلامية بالقصور ازاء تجربته والتجارب الوطنية الجادة، قائلاً: "قنواتنا الإعلامية لا تبحث عن القيمة الفنية والثقافية، وهي متهمة بالقصور، انا منذ ربع قرن أعمل للعراق، ولم تأتني، الا دعوة واحدة من الشاعر حامد الراوي في العام 2013 عنما كان وكيل وزارة الثقافة، أنا مغبون اعلاميا، قنواتنا الاعلامية اما حزبية أو تجارية.. وعلى سبيل المثال مارسيل خليفة كيف جعل منه الاعلام العربي اسما كبيرا في مجال الفن الملتزم".
أما بشأن تواصله مع الجالية العراقية في اميركا في تقديم الحفلات والاماسي، يؤكد بركات بانه متواصل مع الانشطة والفعاليات الثقافية والفنية، وكان عضواً مؤسساً في أكثر من منتدى واتحاد مهني، لكنه يخجل أن يكون مطربا تجاريا. ويقول " اعتقد ان مسؤولية الفنان الان أن يقف مع الوطن في هذا الظرف، اما الحفلات، فهي بيد المتعهدين من يرقص أكثر يكون ناجحا، بينما أنا انفق على اعمالي من مالي الخاص".
وعن جديده.. فهناك اربعة اعمال يعمل على انجازها للشاعر اجود مجبل وعمل للشاعر اسماعيل حقي، بعد ان سجل قصيدة " لا تطرق الباب " للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، وقصيدة " بماذا يعود الغريب " للشاعر عبد الرزاق الربيعي، وقريبا سيبدأ بعملية التصوير.
تعليقات
إرسال تعليق