عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية
لا تقترن التفاهة في حقل معين دون آخر , فقد غدت منظورة تلامس حياتنا و تتسلل في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاعلامية ونحو ذلك , لنقع وسط نظام تافه ينظم مدخلات و مخرجات الواقع وفق سياقات تلتقي مع توجهات الجهة المنظمة لصناعة التفاهة التي تقود يومياتنا و سلوكنا بالأوهام والشكليات التي تفضي الى يقينيات زائفة , بفضل الجهل و الأمية و الكسل و الخضوع لسياسات و آيديولوجيات لا ترتقي بالمجتمع و الانسان .
فقد أصبح الفساد و الصراعات والنزاعات والانتماءات الكاذبة وإلهاء الناس بالحوادث والأخبار الهامشية مؤشر على واقع يسهم الجميع بتمزيقه .
وقيام الافراد باللهاث خلف النجاحات السريعة لتحقيق المصالح الذاتية , بالانتماء لجهات مؤثرة للقفز على السلم الهرمي للدولة القائمة على البناء الاحتصاصي و تالياً في المجتمع على الرغم من إنها لا تمتلك الكفاءة . إذ أن تفاهة الأعلى تلتقي مع ما يحمل الأدنى لتشكل نظاماً يتشابه فيه الكل في التفكير و السلوك و جذب المزيد وفق تدابير تغدوا نظاماً سائداً . وهذا الأمر لا ينحصر في مجال أو مؤسسة دون أخرى حتى و أن كانت علمية أو أكاديمية لأن الدوافع المصلحية تتماهى مع ذلك النظام , و يتكرر مشهد هؤلاء و غيرهم كلما أمتطت جهة ما صهوة السلطة و القوة … أذكر في عام 2004 حين كنت أعمل في صحيفة بغداد .. و للضرورة الصحيفة أذهب أحياناً الى مكتب أو مقر الحزب الذي تعود اليه الصحيفة , لا أجد مكاناً فارغاً , بل البعض منهم يقف في باحة المقر . يومها كان مسؤول الحزب يرأس مجلس الوزراء , و حين أنتهت مهمته السلطوية أنفض الناس عن مقر الحزب و لم أجد ذلك الجمهور المنافق الذي أنتقل قسم منه و ربما كله الى مقر السلطة التالي لئلا يفقد الامتيازات التي كسبها من قبل حتى و أن كانت تافهة . و بهذا المعنى أصبح الشخص مزدوج الشخصية . و إزدواج الشخصية هذا يختلف من بعض الوجوه عن النفاق . فالمنافق مزدوج في قوله أو فعله , و لكنه يعرف أنه مزدوج . إذ هو يتقصد هذا الازدوج لكي يتزلف الى شخص أو يطلب منه شيئاً .(د . علي الوردي / وعاظ السلاطين) . و أعتقد أن النفاق و التفاهة التي تطوق حياتنا اليومية هي أحد الأمراض التي يعاني منها المجتمع . بسبب من إختلال في تطبيق النظم و القوانين و الافتقار الى المساواة و القدرة على إختيار الكفاءات . و يرى المفكر الكندي آلان دونو أن الانساء التافه هو الشخص المعتاد الذي يستطيعون نقل تعليماتهم من خلاله , بما يسمح بترسيخ نظامهم . و صار نظام التفاهة يعني سيطرة الأشخاص التافهين , باعتبارهم حالة سيطرة خلقتها الأشكال التافهة ذاتها , حاله سيطرة ترسخ هذه الاشكال باعتبارها عملةً للمعنى و أحياناً مفتاحاً للنجاة . الى درجة أن من يأملون بالافضل و يدَعون التفوق صاروا يمتثلون للكلمات الفارغة التي يخلقها (نظام التفاهة) هذا . و قد تجلى نقل التعليمات و الافكار من خلال أدوات معروفة أتخذت من الاعلام وسيله و أخرى غير معروفة تختبئ خلف أسماء وهمية باستخدامها وسائل التواصل منصات للتأثير على ملايين المستخدمين و المتابعين بطريقة تتقصد الأثارة و التلاعب بالمعلومات بما يسهم بتلويث العقول . ان التفاهة صفة تطلق على كل عمل سيء أو ذميم ترفضه مكارم الأخلاق كالسرقة و الكذب و الغيبة و الكراهية و المخاتلة و سوى ذلك فان وسائل التواصل عمقت التفاهة بعرضها للصور والافلام والمعلومات السطحية والخرافات وتمكنت من (ترميز التافهين) أي صناعة رموز لها جمهور كبير يحبذ و يبحث عما ينشر .مما أدى الى إنحدار الافكار والسعي الى إشباع الغرائز وغدت التفاهة تطوق حياتنا في شتى مجالات الحياة و لا يمكن التخلص منها باطلاق المواعظ المجردة . طالما أستمرت الاسباب بأشكالها المعقدة و المتعددة تدفع بالانسان الى الوقوع في التفاهة والتي أستغلها قادة و رموز في نظام او حكم الأوليغارشية التي تستولي عليه مجموعة صغيرة من الزعماء تستأثر بصناعة القرار وتقوم باستماله الجمهور بالتضليل تارة وملامسة إهتماماته الوجدانية تارة أخرى , لتضيع الحقيقة تحت أمواج من الاخبار الفورية ز الأفكار السطحية التي لا تصنع ثقافة ولا تخلق وعي , وإنما تعلم المتلقي كيفية الخضوع للجهة المسوقة التي تسعى الى الهيمنة و تسليع الثقافة . لأن شيوع التفاهة إنما يعزى الى قوانين التعامل البشري لاسيما تعامل عدة أطرف معاً . وفق ماكس فيبر .
تعليقات
إرسال تعليق