القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية




-1-

يسود التمدن الزائف في الكثير من المجتمعات . إذ أن التمدن يقوم على مناهضة العنف والعسكرة والنزاعات والفظاظة في التعامل والسلوك ورفض القمع وإشاعة الحرية وترسيخ السلم الأهلي والوعي بضرورة التعايش ونبذ الهيمنة للأفراد والجماعات بذريعة الأمن والاستقرار.

ويرى جون كين أن المجتمع المدني بوصفه ذاك المجال الذي تختلط الناس فيه طوعياً للتعبير عن أنفسهم والمجال المؤازر لقيم جوهرية مثل الحد من العنف وتحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية ومناصرة الجودة البيئية . وهذه القيم لا تقوم في بيئة تشتد فيها الصراعات السياسية والاجتماعية والتباين الطبقي الذي أخذ يتمدد خلال الاعوام الاخيرة , مع غسيل الاموال الناتج عن الفساد المالي المقترن بمؤسسات الدولة , مع إستخدام السلاح بمناسبة ودونها , من قبل جهات إجتماعية وحزبية وصلت خلافاتها للاغتيالات والاحتدام المسلح لاستعراض وفرض القوة بعيداً عن المنافسة النبيلة والحوار الذي ينسجم مع التجربة الوليدة للنظام السياسي التي ترتكز على التفاعل وتأسيس الاتحادات والمنظمات المستقلة وتدعم جهود الدولة في عملية البناء والازدهار .

مبادرات ثقافية

إن بناء الدولة المدنية يتأسس على مبادئ كالحرية والمساواة في الحقوق والواجبات والتسامح وتنفيذ المبادرات الثقافية وعدم التمايز والفرقة على أساس الدين والمذهب والقومية وإنما بتعزيز مبدأ المواطنة المسورة بالقوانين التي تسنها الدولة . إذ أن ثمة ترابط بين الدولة الحديثة والديمقراطية والمجتمع المدني , وأذا ما تراخت تلك العلاقة فأن خللاً يصيب بنية النظام السياسي والاجتماعي الذي يتكئ على أسس متداخلة وتجارب فاعلة ورؤى تعزز النظام الذي يتوجب الالتزام به من قبل المجتمع والدولة من خلال الوعي والتعدد والتنوع الفكري والثقافي لا الصرعات المسلحة باستخدام الادوات التي تتحدى الدولة والقانون وتصبح قوة موازية تسلب إرادة مؤسسات العنف القانونية والسلطات التي تقود المجتمع . فقد طفحت خلال الأعوام السابقة حالات من العنف والاغتيالات السياسية والثأرية (والدكة) والنزاعات العشائرية والتهديد اللفظي والفرز المذهبي والقومي ما ينافي التمدن والحياة الديمقراطية ويقمع الروح المعنوية للسكان , ليقع المواطن تحت هيمنة القوى التقليدية التي ما برحت سلطاتها نافذة في عقول وسلوك غالبية أبناء المجتمع الذي يطوقه الخوف , رغم تأسيس ستة الاف منظمة مجتمع مدني لم تؤثر فعالياتها في واقع مشحون بالانقسامات والخلافات وتعدد السلطات ما يؤكد زيف التمدن .فيما التجربة الديمقراطية المعلبة والمساعي الدستورية رغم الثغرات تعاني من طغيان الثقافة القبلية وتعدد الأقطاب الحاملة لروح الاستبداد المتغلبة على الثقافة المدينية اوالحضرية منذ تأسيس الدولة العراقية قبل قرن ونيفٍ . والثقافة القبلية تحتفظ العناصر المهاجرة بفضلها بأسمائها القبلية , ومنظومة قيمها , وأسلوب عيشها وفوق ذلك كله بالتزامات التضامن , كالدية  والدعم المادي والمعنوي في الحياة والموت والمصاهرات باعتبارها عقوداً بين أنداد (فالح عبد الجبار/الدولة اللوياثان الجديد) وقد أنعكست تلك الثقافة لتسود قبلية الدولة والاحزاب التي ترى في العشيرة والقبيلة قوة متماسكة مؤثرة تقوم على العصبية , وتراها ساندة للسلطة مع إندماجها اليسير مع إيديولوجيا الحركات السياسية المذهبية والقومية والدينية المتماهية مع غاياتها في الاستحواذ على السلطة والحكم . وتجلى ذلك في الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات .

وهذا الأمر أدى الى بلورة سياسة حزبية تقودها العوائل من خلال صناعة رموز لتلك الاحزاب , التي تؤثر بشكل مباشر على مؤسسات الدولة وتفضي تالياً الى الهشاشة لغلبة المصلحة الذاتية على المصالح العامة . بل أن تلك الاحزاب تمددت الى منظمات المجتمع المدني وأتخذتها واجهات للكسب ورضا الجمهور الباحث عن حقوقه مع تراجع دور الدولة في دعم المنظمات المستقلة للإسهام في عملية البناء الاجتماعي والمؤسساتي .

تعليقات

التنقل السريع