القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية



 

بالرغم من صدور القوانين و نشر الفضيلة و الوئام لتهذيب الانسان و الرفض العلني للقتل و التعذيب و القسوة التي تمارس . فأن حياتنا تتغذى يومياً بصورة و معلومات و حكايات و مدونات تاريخية و برامج إعلامية و العاب الكترونية تحمل أشكالاً من العنف الذي يلامس الرغبات الكامنة ، و الظمأ الى الاطلاع على الجرائم البشعة التي أرتكبت و مارسها الطغاة المستبدين بحق شعوبهم . و أثر الازمات و الخلافات و الصراعات بين الجماعات  على الأفراد باستخدام العنف ، في جُل المجتمعات المتقدمة و المتخلفة . ما يشير الى تمزق النسيج الاجتماعي ، و يكشف عن الجشع للسعي على المغانم و الهيمنة ، بتبريرات و شرعنة آيديولوجيا القتل و الحروب .

على المستوى الاجتماعي إندحرت البراءة و المسالمة و إرتفعت دوافع العنف في مخيال الافراد و الجماعات كلما تتقاطع او تتضارب المصالح و يعلو منسوب الانانية و الحسد و الغيرة و الكراهية و تفريغ النوازع السلبية على الاخر المتقدم .

فقد أصبح العنف منهجاُ و سلوكاً لدى القوى الخارجية المحيطة بالانسان . و إن حرية التعبير و الرأي هي مجرد بنود سطرت في الدساتير تكيفها السلطات بما يتوافق مع منهج النظام لإخضاع المجتمع و ليس الحرية بوصفها حقاً مشروعاً . فقد أحتل العراق المرتبة التاسعة عربياً بحسب مؤشر منظمة (فريدم هاوس) لعام 2024 على 30 نقطة في المؤشر الذي يقيم الحريات السياسية و المدنية في 210دولة و جاء في منطقة الدولة العربية التي تصنف (إنعدام الحرية) فيها و المعضلة الأكبر أن جميع الاغتيالات التي حصلت خلال الاعوام السابقة و مازالت ضد صحفيين و مفكرين و اكاديميين وأطباء تسجل ضد مجهول ، ما يبعث على الريبة و الخوف و تراجع الحرية . و تشجيع القوى المناهضة للسلم على إستمراء القتل و الافعال المشينة . فقد حل العراق بالمرتبة الخامسة على مستوى العالم في مؤشر الإفلات من العقاب (وفق لجنة حماية الصحفيين الدولية) لعام 2022 . لذلك فأن دينامية نضال الانسان الواعي مازالت قائمة من أجل الحرية , فهي لم تكن ضد الاجراءات التعسفية للحكومات فحسب و إنما ضد السلطات الاجتماعية و الدينية و الحزبية المهيمنة التي تستخدم القوة الناعمة و الخشنة لفرض إرادتها على المجتمع .

لا ريب أن ثمة علاقة طردية بينهما فكلما إنحنى الشعب للسلطات ترتفع درجة الطغيان و تسود العبودية . و هذا الامر ينسحب أيضاً على العلاقات الاجتماعية و الاسرية عند غياب الوعي و القوانين و الحرية المسؤولة و إحترام الرأي الاخر . ويؤكد ذلك إستمرار الاغتيالات و وقوع الالاف من حالات العنف الاسري والنزاعات العشائرية و التهديد بالاقتتال . و قد أفرزت الساحة السياسية و قوع عدد من الهجمات بالاسلحة الخفيفة و المتوسطة على مقرات الأحزاب و إغتيالات متبادلة بين عناصرها في البصرة و النجف و ذي قار خلال الشهور المنصرمة و إستهداف معبد لطائفة الصابئة المندائيين و إصابة حارسين بجروح في العمارة يوم التاسع من اذار عام ..2024 .

فيما كشف الواقع الاجتماعي عن صوراً لنماذج تعكسها مرآة الواقع المكتنز بالانفعالات لاسباب تافهة تشي الى أن العنف أصبح وسيلة و غاية مثلما حدث من قتال في شوارع بغداد الجديدة و مدينة الصدر و حرق إمرأة لخطيبها في قضاء الحمزة وقتل متهم صديقه و حرق جثته في كركوك و قيام أب بحرق زوجته وأطفاله الثلاثة في الكرخ و قتل إمرأة لطفلها و رميه في الشارع بالرصافة و دعس شاب و قتله من قبل سائق بسبب خلاف على إجرة مقدارها 500 دينار في بغداد , وقد أصبحت النزعات العشائرية أحداث روتينية حتى أمسى نشر خبر القتل شبه إعتيادي مع عرض برامج خاصة بالمجرمين الملقى القبض عليهم لوصف تفاصيل الجرائم في وسائل الاعلام , برامج لها عنوان و موعد ثابت في عدد من القنوات التلفازية .

نشاطات امنية

وهذه البرامج تحمل وجهين الاول ترويج لنشاط المؤسسات الامنية بمختلف صنوفها و الثاني يكشف عن بشاعة المتهمين في إرتكاب الجرائم , ما يثير نوازع العنف لدى المتلقي المقهور من بيئته الاقتصادية و الاجتماعية .

لذلك جاء العراق بالمرتبة 140 عالمياً و 15 عربياً بقائمة مؤشر أكثر دول العالم رخاءاً و إزدهاراً في عام 2023 , وفق تصنيف معهد ليغاتوم و مقره المملكة المتحدة , 167 دولة . و يقيس عدة معايير أهمها مدى جودة الاقتصاد و سهولة ممارسة الاعمال وتحقيق الأمن و الأمان و الرعاية الصحية و التعليم و بيئة الاعمال و الحوكمة وكذلك الحريات الشخصية . فيما وضع مؤشر الجريمة المنظمة العالمي لذات العام العراق ضمن الدول عالية الخطورة في الجرائم بسبب النزاعات و الهشاشة وضعف الاستقرار . ووضع المؤشر وفق بيانات و تحليلات شاملة . إن العراق يقع في المركز الثامن و بدرجة 7/13 عالية الخطورة .

إن كبح جماح العنف وترويض النفوس المنفعلة يبدأ بمعالجة العوامل و الاسباب كما إن المدنيين من خلال نزاعاتهم , يتعلمون أن الحياة تكمن في تنازلات متبادلة . يتعايش المدنيون من خلال تعلمهم المزيد عن بعضهم بعضاً و إستيعابهم فنون التكيف المتبادل و الآمال التوافقية (آر جي رومل/ فهم النزاع و الحرب) . وذلك يأتي بالتفاعل الايجابي والانخراط الطوعي مع الجماعات و تفكيك و نزع الاسلحة من الأفراد الذين يخرقون الأمن وتهديد السلم المجتمعي بنزاعات عشائرية تتجاوز على سلطة الدولة بقتل أدوات فرض القانون و المواطنين . إضافة الى النقاش العلني أو الفضاء العام لبلورة رؤى و أفكار تفكك الاسباب التي أدت الى وقوع التوترات و العنف و تراجع الإلفة و المحبة . فضلاً عن ضرورة إصدار قانوني حرية التعبير و التجمع وحق الحصول على المعلومة المعطلين منذ أثني عشر عاماً . ومؤازرة دور منظمات المجتمع المدني , بهدف بناء الانسان المتعلم و الواعي و صيانة كرامة المواطن بتأمين حقوقه المشروعة .

تعليقات

التنقل السريع