القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




الخوف تلك الانفعالات الأولى , التي ترافق الانسان مبكراً منذ الطفولة , و يتسرب الى المشاعر و العقول . ويزداد أثره كلما تعددت الأزمات و التحديات في البيئة التي يعيش فيها المرء . وللسلطات التي تقود المجتمع الأثر الكبير في إثارة الخوف أو تقويضه من خلال الخطاب و الاساليب التي تعتمدها , و العلاقة السائدة في الفضاء العام بين الفرد و تلك السلطات الرسمية و الاجتماعية و الدينية و السياسية و الاعلامية بوصفها عناصر قائدة  للرأي العام تؤثر في إتجاهاته و مدركاته . من خلال ما يطرح من معلومات و أفكار و لغة تتداولها وسائل الاعلام و الاتصال في البلد إزاء القضايا و المعضلات التي تحيق في المجتمع . ورغم الاختلاف في تناول القضايا المطروحة بين الأنظمة السياسية الليبرالية و الاستبدادية و الاشتراكية و الرأسمالية و الثيوقراطية , غير أن الخوف يدب لدى الانسان عند وقوع الازمات بمختلف أنواعها السياسية و الاقتصادية و الامنية و يتفاقم في الانظمة الدكتاتورية إذ يصبح حالة سائدة في المجتمع .فقد عاش المواطن العراقي قبل التغيير السياسي حقبة الرعب المفرط من رجال السلطة والحديث في السياسة و محاولة نقد الواقع السائد آنذاك . و الخوف من الاعتقالات و الملاحقة الأمنية و كتاب التقارير الذين تجدهم في كل مكان حتى تقزم الناس من الكبت و فقدان حرية التعبير عن الرأي . و إتهام كل المعارضين للسلطة من إحزاب إسلامية أو يسارية بالتآمر و الخيانة للوطن ومبادئ الحزب الاوحد .

و لم يرحل الخوف من الانسان العراقي بعد سقوط النظام البائد , إذ بدأت  مرحلة أخرى أستخدمت فيها وسائل أكثر توحشاً إثر دخول العناصر الظلامية المتطرفة التي أشاعت الدمار و القتل بالانفجارات اليومية و الذبح على الهوية. و نشوب الصراعات الطائفية و العرفية في مجتمع أصبح يغرق بالصراعات الطائفية .

و العرقية في مجتمع أصبح يغرق بالصراعات العبثية , و قوى سياسية تحقق وجودها في صناعة الازمات و إشغال الناس في قضايا هامشية و ثأرية , لأعتقادها بأحتكار الحقيقة التي إغتيلت على منصة الحقد .

ليتحول الخوف بعد القضاء على تلك الأدوات المصنوعة في الدوائر المخابراتية الى واقع مكتنز بالتحديات و المعاضل كالمخدرات , و البطالة و تفاقم الجريمة و النزاعات  العشائرية و السلاح المنفلت و غير المنفلت , و الطلاق , و نقد الزعامات السياسية و الدينية , و المخبر السري الذي لا يبرح سلوك التافهين و المنافقين . و الفساد المالي الذي أمسى يطوق الدولة و المجتمع , حتى بلغ الامر و تلك مفارقة أن الحكومة لم تطلق ميزانية عام 2023 خوفاً عليها من سرقة أدواتها في الحكومة و الجهات المتنفذة – وفق ما يرى مختصون – في إنتخابات مجالس المحافظات . فقد أصبح الفساد علامة مقترنة بكل الحكومات التي قادت البلد خلال العقدين الماضيين و أفضى الى بروز طبقة من المحرومين و المهمشين تمثل ربع عدد السكان لأن اللصوص تساندوا و أبدعوا في سرقة الأموال أدى الى غياب العدالة الاجتماعية .و تراجع الخدمات و تلكؤ المشاريع .

فيما يكشف مستوى حرية الكلمة في وسائل الاعلام شكل النظام السياسي , ذلك المستوى الذي أنتقل من الدكتاتوري الى الديمقراطي المؤطر بخطوط عديدة . ما دعا صديقي الدكتور وليد النعاس الى تأكيد وصيته بين حين و آخر كلما قرأ مقالاً لنا في الزمان الى عدم تجاوز تلك الخطوط . غير أن الشرطي المستقر في داخلي منذ أن بدأت العمل الصحفي قبل أربعة عقود و ترقى الى رتب متقدمة لم يعد يميز بين خطورة تلك الخطوط لكثرتها بعدما كان خطاً واحداً .

و بذلك أصبحنا نعيش تحت المراقبة متعددة الاغراض و الوسائل الحكومية و الاجتماعية و السياسية و الذاتية دون أن ندري , و لم يبق من الحرية التي ترفع في الشعارات و التصريحات و كتبت في الدستور سوى كلمات لا صدى لها في عملية التغيير . لذلك فأن الخوف الذي يتسلل الى ذواتنا يجب ان لا ندعه يطغي على التفكير . كما أن الرفض و المقاومة للدكتاتورية لا يتوجب إعادة إساليبها من ذات القوى بعد إستلامها السلطة . فهذا السلوك يؤدي الى تمدد و تكريس الخوف و إعاقة التغيير (تزفيتان تودورف / الخوف من البرابرة) . بمعنى أن ثمة ثقافة سائدة في داخل كل إنسان تشير الى وجود دكتاتور صغير يستيقظ حيت تتوفر له السلطة و البيئة المناسبة . ليمارس هيمنته على الاخرين و يدعهم يعيشون في حالة من الخوف الدائم . بيد أن الشجاعة في ذات الوقت تنمو و تصمد بالارادة الصلدة و الوعي بضرورة تحدي تلك الاساليب و ليس الركوع أمامها .

تعليقات

التنقل السريع