عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية
أن الاستراتيجية الامريكية التي أستخدمت في تدمير العراق سلكت طريقين: الاول هو الحرب التقليدية القائمة على الغزو بنقل الجيوش والاسلحة الى المكان المستهدف و بدء الصراع المباشر مع القوات العراقية, لترويض النظام السياسي و تقويض الدولة تمهيداً للهزيمة الشاملة بالقوة الصادمة و الهائلة على الارض. والثاني هو ما يسمى الحرب الجديدة و تأتي أمتداداً لما بدأت به, إذ تضع غاياتها الاقتصادية و الجيو سياسية و الايديولوجية المسبقة بأستخدام التقنية عالية الدقة, لتدمير أمكانيات الخصم عن بُعد, و عدم تقديم خسائر بشرية لقواتها, مقابل خسائر بشرية كبيرة للطرف المستهدف, بالافادة مع التطور التكنولوجي لمحو كل شيء, ثم حرث الخلافات بين الأهالي لقتل المدنيين بطرق إرهابية عنيفة و إشاعة الفوضى و دعم قوى سياسية بالمال والسلاح لسلب إرادة الدولة.
برامج عسكرية
والاستخدام المفرط للقوة هو أسلوب أمريكي في كل الحروب التي حصلت منذ ستينيات القرن الماضي, فقد أمر كيسنجر حين كان مستشاراً للأمن القومي بشن حملة قصف ضخمة في كموديا عام 1970 بالقول (فأي شيء يطير يهجم على أي شيء يتحرك). وهذا الأمريُعد جزءاً من خطط و برامج أمريكا السياسية و العسكرية سابقاً وحاضراً في حروبها التي خاضتها في فيتنام و لاوس و كموديا و الفلبين و إنتهاءاً بغزو العراق الذي أستنزفته الحروب بدءاً من حربه الطويلة والمؤلمة مع ايران. إذ كانت حينها داعمه له بعد رفعه من قائمة الدول الداعمة للارهاب عام 1982 كي تديم الحرب. ثم خداعه بعدم التدخل في الخلاف مع الكويت بوصفه شأن داخلي, ونشوب الحرب بعد إحتلاله لهذه الدولة الصغيرة او المجهرية, وتداعياتها بتدمير كل البنى التحتية و استخدام الغذاء سلاحاً في فرض الحصار الذي كان يشبه الابادة الجماعية, ثم الغزو الذي أفضى الى صراع طائفي ونشر الخطاب شديد الكراهية ، بعد أن كان الاختلاط والتعايش سائداً بين السكان في الاحياء السكنية والمدن. و أستمر تنفيذ الخطط وفق الحرب الجديدة بعد الاحتلال بالدخول اللغز لعصابات داعش وإحتلالها ثلث مساحة البلد. ويصف باتريك كوكبيرن مراسل الشرق الاوسط لصحيفة الاندبندنت هذا التنظيم بأنه (منظمة فاشية مروعة من نواح كثيرة, طائفية للغاية , تقتل أي شخص لا يؤمن بخصوصيتها. هو الرمز المتطرف للاسلام).
ليقع العراق مرة أخرى في جُب مرعب من العنف و سفك الدماء و سبي النساء و الادق الاغتصاب على الهوية الدينية، باستدعاء تفسيرات واحداث الماضي المؤطرة بالبشاعة والعذاب و تهجير أكثر من ستة ملايين مواطن و خسائر مادية تربو على المائة مليار دولار, وبلغت الخسائر البشرية وفق مصادر إعلامية في معارك بيجي و الموصل وتكريت والرمادي 46 ألف مقاتل من الجيش والشرطة و جرح 42 ألف, في ما بلغت خسارة جهاز مكافحة الارهاب في معارك الرمادي و الفلوجة و الموصل 40 بالمئة من منتسبيها. وقبلها قامت تلك العناصر الاجرامية بتدمير رموز الهوية الوطنية والحضارية , إذ يرى المفكر الامريكي نعوم تشومسكي أن الحضارة البشرية بدأت منذ ما يقرب من عشرة الاف عام في منطقة الهلال الخصيب, الذي يمتد من أراضي نهري دجلة والفرات , مروراً ببلاد الفينقيين الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وصولاً الى وادي النيل, و من هناك الى اليونان و ما وراءها . يقدم ما يحدث في هذه المنطقة دروساً مؤلمة عن الانحدار و اليأس اللذين يمكن أن تصل اليهما الحضارة البشرية.
و قد تجلى صراع الهويات خلال العقدين المنصرمين بعد عملية التحول الذي لم يكن سياسياً فقط و إنما هوياتياً لغايات ايديولوجية في بلد متعدد الأثنيات, مضطرب إجتماعياً وسياساً و مدمر أقتصادياً بفعل الحروب و التدخلات الدولية والاقليمية, التي أنتجت بيئة ملوثة ليس يسيراً تنقيتها أو تطهيرها من فايروسات العنف التي أخذت تنمو وتتوالد بين الحين و الاخر. بل أن طرق و خطط الحرب الجديدة في عملية التدمير أخذت وسائل متعددة.
و يرى عدد من علماء السوسيولوجيا السياسية مثلما يشير سينيشا مالشيفيتش الى أحد نماذجها هو الحروب الطفيلية او الافتراسية التي تقوض الدول الضعيفة بالفعل، ومن ثم تؤدي الى إنهيارها .وعلى أنقاض هذه الدول الفاشلة تنشب الحروب الطفيلية الجديدة. و بعبارة أخرى العجز عن المنافسة في المستوى العالمي يُضعف إقتصاد الدولة, ويضعف في الوقت نفسة قدرتها على جمع الايرادات, الأمر الذي يفتح الباب للفساد الممنهج و الاجرام. وخصخصة العنف تبعاً لذلك. ففشل الدولة يخلق بيئة هوبزية جديدة حيث يسيطر أمراء الحروب على بقايا الدولة, ومعتمدين على المساعدات الدولية والتحويلات المالية الخارجية, يتوسلون بسياسة الهوية لنشر الرعب فيما بين أولئك الذين يعتبرونهم خطراً على جماعتهم الدينية أو الاثنية.بيد أن هذا الوصف تفاقم في الواقع العراقي, و أصبحت القوى السياسية التي تملك أذرع عسكرية هي الغـــالبة و المرئية, فقد كشف رئيس الوزراء الاســـــــبق نوري المالكي في تصريح لفضائية عراقية قبل أكثر من عام من وجود 86 فصيل مسلح.
مفاصل الدولة
تلك القوى السياسية أستمرأت اللعبة التي تلتقي مع طرائق و أشكال الحرب الجديدة بعلم أو دونه, فالمهم هو الوصول الى السلطة و الاستئثار بها . فهي تمتلك كل مفاصل الدولة السياسية و الاقتصـــــادية و العسكرية, و قد أنتجت الفساد الذي لامشاحة أصبح منظماً و متسانداً من أطراف غير مرئية لا يطالها القانون . تلك الجريمة غدت فاضحة تتناولها الدول و المنظمات المختصة و وسائل الاعلام و التواصل كعلامة مقترنة بالنظام السياسي لتفاقمه حتى أطاح بسمعة الدولة ما أثر سلباً على الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية والخدمية، إذ بلغت نسبة الفقر22 بالمئة والتمايز الطبقي او التفاوت الكبير في مســــتوى المعيشة الذي كان أحد عوامل العنف ووقوع الجريمة، إضافة الى تراجـــــــع الصناعة والزراعة و تدهور البنى التحتية التي ما زالت مؤشراً على إستفحال التشـــــــوهات التي أنعكست على المواطن العراقي الذي يعاني الاغتراب الساسي و لم يعد لديه سوى وســـــــــائل التواصل الاعلامي والاعلام كأدوات للتعبير عن الرأي في نظام أشاع كل هذا العنف والتشـــــــوهات ولكن بوجه يتسم بالجـــــــمال و البراءة أسمه الديمقراطية.
تعليقات
إرسال تعليق