القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

العنف والتشوهات طريق للديمقراطية

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




خسرت البشرية أعداداً هائلة بعد الحداثة، يفوق ما خسرته قبلها منذ العصر الزراعي نتيجة الحروب بين الامبراطوريات سابقاً و الدول حالياً، و النزاعات الاهلية و الصراعات العنيفة لدوافع دينية و مذهبية وقومية و قبلية و ايديولوجية، غدت عنواناً للقرن العشرين أو ما يسمى بقرن الموت الذي شهد حربين عالميتين و حروب بينية لدول كثيرة تحت ذرائع شتى كان فيها أفراد تلك المجتمعات الذين لا يعرف أحدهم الاخر أدوات للقتل و سفك الدماء وقوداً لديناميتها، وليس قادة الحروب الذين يصارع احدهم الاخر، كي يتفاخر تالياً بأوهام النصر و العظمة التي سرقت الارواح و أغتالت السلاح و دحرت الأمان.

أن قراءة سريعة الى التاريخ المعاصر تكشف عن سرديات و أحداث كان العنف سبيلاً الى صناعة النظم السياسية في الدول التي شهدت الحروب و الثورات المسلحة او الانقلابات الدموية .

فقد وثق كل من هولستي و تيلي أن القرن العشرون هو القرن الأشد دموية في التاريخ البشري المسجل، إذ شنت فيه 250حرباً جديدة، خلفت ما يربو على 100 مليون وفاة . و مع التزايد الهائل في العنف الارهابي المنظم، واستمرار الحروب في أفريقيا والعراق و أفغانستان و الكثير من الاماكن الاخرى، لا يبدو القرن الحادي و العشرين سيختلف كثيراً عن سابقه .(سينيشا مالشيفيتش، سوسيولوجيا الحرب و العنف).

هذا القرن الذي بدأ بالحرب على أفغانستان ثم العراق في عام 2003التي مازالت آثارها بعد عقدين من الزمن يعاني منها الناس، ليس من الدمار الماحق للاسلحة المرعبة التي قذفت على البلد فحسب، و إنما من القرارات و المخططات الاستراتيجية التي صاغتها دبابات الفكر الامريكية إزاء القضايا الدولية المهمة، و كيفية التعامل معها في المستقبل . و كان العدوان على العراق و إحتلاله و الخطوات غير العسكرية الواجب تنفيذها تالياً أنموذجاً، في تمزيق المجتمع و صناعة دولة هشة وعنف طائفي و عمليات أرهابية أودت بحياة 300 ألف عراقي بين عامي 2003-2019) وفقاً لمعهد واتسون للشوؤن الدولية في جامعة بروان).

تطبيق مطالب

و الاخطر ما كشفه الرئيس السوري بشار الأسد لفضائية عربية قبل أيام، أن كولن باول طلب منه تطبيق أربعة مطالب أو شروط بعد وقف إطلاق النار، كان أخطرها على حد وصفه هو (منع دخول الكفاءات العلمية والعلماء و أساتذة الجامعات الى سوريا . و هذا ما فسر لاحقاً بعمليات الاغتيال المنهجية للكفاءات العلمية في العراق أي عمليات  تجهيل حقيقية و قتل للعلماء). و هذا الأمر تجلى في قرارات بريمر المائة وآثارها السلبية على المجتمع والدولة. وعمليات الاغتيال التي طالت العلماء والطيارين أشتركت فيها أدوات مختلفة أمريكية و أقليمية ومحلية للاسهام في إشاعة الجهل و الامية بوصفها أسس التخلف و التقهقر الذي أخذت تغذيه قوى تقليدية وجدت لها مساحات من الهيمنة و التأثير بفضل الأسقام الاجتماعية التي أسهمت فيها أطراف عديدة لصناعة بيئة ملوثة سياسياً و أجتماعياً.مع إرتفاع منسوب منابر حفريات الماضي التي عمقت التكاره ، بخطابات خلافية أستثمرت فوضى وسائل الاعلام والتواصل الاعلامي والاجتماعي ، تحت غطاء الحرية في مجتمع عانى من الكبت و القمع ، لتغدوا أحد أهم أدوات التنفيس في واقع مضطرب أتسم بالشحن المذهبي و القومي ، وإستخدام كل أدوات الازاحة السياسية سواء باصدار القوانين أو بقوة السلاح الذي أصبح أكثر من عدد السكان بفعل ضعف الدولة و تعدد القوى المهيمنة على أفراد و جماعات تبحث عن ذاتها و هويتها مع تعميق الانقسام المجتمعي في الواقع المادي، و غير المرئي الذي يتجلى عند وقوع الازمات التي أصبحت صفة ملازمة للواقعين السياسي و الاجتماعي  في ما تشير مدونات الحروب التي وقعت في دول العالم الى الترابط والتماسك الاجتماعي، وتكافئ الفرص الجندرية في المجالات المدنية كالصناعة وذلك تجلى خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها .و أن التنظيمات الاجتماعية الكبرى كالدولة فرضت سطوتها على المجتمع بأحتكار القوة من خلال القوانين و عمقت المشاعر الوطنية، وعززت الوحدة المجتمعية في مواجهة الخصم.غير أن  الوسائل و الخطط  التي نفذت في العراق و ما أنتجته من تداعيات  تكشف عن مؤشرين الاول هو خطأ تصور عدد من المهتمين والمختصين بالشأن السياسي الذين أشاعوا أن أمريكا لم تعرف التعامل والتصرف حيال الواقع العراقي ، والثاني هو نقيض الاول، إذ أن الولايات المتحدة الامريكية لديها قدرات إعلامية في عمليتي التضليل وخطاب البروباغندا لا نظير لها بهدف التبرير و الاقناع لتغيير اتجاهات الجمهور و التلاعب بالعقول من خلال خطوات ممنهجة للافكار و الصور التي تنشرها وسائل الاعلام . فهي تسعى الى تغيير المفاهيم حول وحشية و بربرية العنف و الحرب ، الى فعل شرعي بالادعاء للحفاظ على التحضر و الانسانية من ناحية وإستخدام القوة المفرطة التي لا تكشف عن الجرائم و القتل و الابادة غير المنظورة من ناحية أخرى بفعل التطور التقني و التكنولوجي للاسلحة الماحقة لوجود الانسان . ويصبح إستحضار التبريرات للاقناع تحت عناوين و أهداف نبيلة تطلقها الثورات و الايديولوجيا كالحرية والمساواة و العدالة الاجتماعية والديمقراطية ، هي ذاتها في شن الحروب و استخدام العنف و القتل الجماعي.

صحف امريكية

فالقصف المرعب الذي شهدته المدن العراقية إبان حربين مدمرتين وصفته الصحف الامريكية بالفعل المشروع ، فقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست (عندما تكون الحرب عادلة لابد من أن نواجهها بقدر من الجرأة … فما دُمنا نضرب بدقة ما نعتقد أنها أهداف عسكرية ، قصف بغداد ينبغي أن يثير فينا الاحساس بالأسف و ليس االاحساس بالذنب) . و هذا الوصف جزء من عملية التضليل الاعلامي في عدم كشف حقيقة الدمار الماحق للبنى التحتية و المنشأت المدنية ، ففي مدينة السماوة مثلاً قصف الجسر الخشبي الوحيد بعد تدمير الجسور الاخرى ، و قتل و فقد حينها ما يربو على 500 مواطن مدني جُلهم من النساء والاطفال في مشهد مأساوي تمزقت فيه الاجساد و تطايرت الرؤوس وبقرت البطون و تقطعت الاطراف ، تلك المجزرة لا يمكن أن تمحى من ذاكرة المدينة الصغيرة التي ظلت تنوح على أبنائها المذبوحين والمفقودين في النهر .

و كنت شاهداً عليها عام 1991 .وقد وصفها الشاعر سعد سباهي بقصيدة

قف فالدنا ههنا مخبولة وقفت / تستنطق الجسر و الشطان ان تصفا

واذرف دم القلب لا دمع العيون فما / أقساك ان كان دمع العين ماذرفا

فليت لا شط لا جرفين لا خلق / الصوب الصغير لهذا اليوم او عرفا

حتى الحديد الذي أنزلتموه بنا / لو كان يدري لعق الأمر و الهدفا .

تعليقات

التنقل السريع