القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

رؤية في الحرية والعدالة 2-2

عدنان سمير دهيرب / نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




عود على بدء فأن الترابط بين الحرية و العدالة  ، يأتي من الوعي بأهميتهما في الواقع السياسي الجديد، لأنهما يحققان كرامة الانسان في النظام الديمقراطي الذي يعرف بأنه (الحكومة التي تقوم على أسس السيادة الشعبية و تحقق الحرية والمساواة السياسية و تخضع فيها لرقابة الرأي العام) . و تُعد المساءلة والشفافية و المسؤولية عناصر رئيسة لدينامية و نجاح النظام ، و إمكانية التحول التي واجهت تحديات كثيرة خلال العقدين السابقين ,تجلت بالعنف و الفساد و فقدان الثقة والتعصب ، و هي معوقات أضحت علامة لواقع مضطرب و قوى سياسية متناحرة و تدخلات خارجية مع أسقام أجتماعية راسخة .

و أذا ما كانت الحرية أهم مؤشر للنظام الجديد بعد سنوات من القسوة و الخوف والكبت ، فأن حضورها الى المجتمع جاء يشبه تفجر الماء في أرض يباب ، لا يفقه المرء كيف يطفئ الظمأ بها .

إضافة الى أن عملية التغيير السياسي تزامنت مع إنطلاق و تمدد وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي و ولادة جيل جديد و بيئة إتصالية تنقاد لحتمية تكنولوجية (منصة فيسبوك أنطلقت عام  2004 مثالاً) كان لها الاثر الكبير و الدور العميق في صناعة علاقات شبكية ، والانتقال من وسائل الاعلام التقليدية الى وسائل جديدة تقوم على التفاعل السريع و أفقية العلاقة و الفورية في نقل المعلومات ، أي أن خارطة أجتماعية و أعلامية و سياسية ترافقت مع التحول في شكل النظام ، إذ بلغ عدد المستخدمين في العراق أكثر من  28 مليون مستخدم لتلك الوسائل وجدوا فيها منبراَ متاحاً للاتصال و الحوار و تسويق الافكار والمشاركة و السؤال و النقاش في الفضاء العام . غير أن ذلك لايشير في الغالب الى الاستخدام الناضج بسبب إنتشار الامية التي بلغت نسبة 12 بالمئة من عدد السكان فوق عمر  10 سنوات (وفق وزارة التخطيط). وأعتقد أن شبه الامية يفوق هذه النسبة  كثيراً ما أدى الى الاستخدام السيئ لتلك الوسائل ، بأنتشار المحتوى الهابط ، و ما أعلنته وزارة الداخلية عن عدد التبليغات لهذا المحتوى تجاوز  100 ألف تبليغ خلال أسابيع يشير الى الاهتمامات المشتركة بين المرسل و المتلقي ، التي منحت تلك المحتويات الرديئة دفقاً من الاستمرار والتواصل و الدعم . و بذلك فأنها أسهمت بتعرية المستوى المتدني لصناع هذا النموذج من المحتوى .

و الثابت أن تراجع التعليم يقوض حرية الانسان في الخلاص من الانحناء والخضوع . و عدم المطالبة بالحقوق لتحقيق العدالة الاجتماعية ، فقد أصبحت الفوارق الطبقية هي السمة الواضحة في المجتمع بسبب تراجع الطبقة الوسطى و تجلي مؤشرات المحرومية و الفقر على أكثر من 23 بالمئة من عدد السكان ، وأنتشار العشوائيات التي يبلغ عددها أربعة الاف عشوائية ربعها في العاصمة بغداد.

سلوكيات الافراد

ولا بد من التأكيد على أن التغييرات  الهائلة في الفضاء الاتصالي أسهمت في الـتأثير على سلوكيات الافراد والمجتمعات في كل الدول المتقدمة والمتخلفة ، والفارق بين الشعوب أو مستخدمي الوسائل في تلك الدول هو في كيفية الافادة منها و القائم على الالتزام بالقوانين التي تصدرها الدول فضلاً عن الضوابط التي أصدرتها تلك المواقع . و أشارت أغلب الدراسات المتصلة بالاعلام الجديد الى أن (التوزيع الزمني للمشاهدة و التصفح بأن الوقت يقضيه المراهقون أمام التلفزيون قد إنخفض الى النصف ، في وقت أرتفعت فيه نسبة مشاهدتهم للفيديو عبر الهواتف الذكية الى 85 بالمئة و يبقى المراهقون ، أكبر المستهلكين للفيديو حيث زادت نسبة مشاهداتهم عبر الهواتف الذكية بنسبة 127 بالمئة ) و هذهِ النسبة ترتفع يومياً مع إستمرار التقدم والتنافس بين الشركات الاحتكارية المنتجة ، و إهتمامات الجمهور المتعلقة بجودة الصور ذات المضمون الناجز و الفيديوهات و تنوع المحتوى و مغريات الانتاج الذي ينماز بالاثارة و المبالغة و التزييف لصناعة ثقافة سمعية بصرية تستثير العواطف وتنسجم مع البيئة الاتصالية الجديدة التي أسهمت بتراجع المقروئية للصحف والمجلات و الكتب التي تمنح القارئ القدرة على التأمل و التفسير و التحليل الناضج للاحداث التي تقع و إستيعابها والقدرة على معالجتها . و يرى المفكر عبد الأله بلقزيز أن ضمور متزايد لجسم المعرفة ، و ضيق شديد في جغرافيا التكوين و بما رحبت من معلومات ! هذا غير التفتت الذي يصيب نظام القيم ، فيكرس منظومة جديدة من المعايير ترفع من قيمة النفعية ، و الفردانية و الانانية ، والمنزع المادي – الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني .

أي أن بنية إتصالية مغايرة لما كان سائداً قبل عملية التحول فرضت شروطها ورسمت خريطتها على الميدانين الاجتماعي و السياسي . يتوجب التعامل معها بخطوات علمية و ليست كيفية ، تبدأ بنشر الوعي لمواجهة تحديات ربما تؤدي الى تحطيم القيم و تمزيق الثقافة والهوية الوطنية ، و إصدار قوانين تتكيف مع البيئة الجديدة ، كحق الحصول على المعلومة لإضاءة الجمهور و القدرة على صناعة رأي عام حول القضايا التي تمس حياة الناس ، و أيضاً لدحض الاشاعات وإزاحة الاخبار الكاذبة . كذلك معالجة المواد الخلافية في قانون حرية التعبير و الاجتماع والتظاهر السلمي و في مقدمتها حرية الصحافة – منها نشير الى وسائل الاعلام والاتصال الاخرى – لتحقيق أمنية الروائي فيكتور هيغو عندما قال (بما أنني أريد السيادة في كل حقيقتها ، فأنني أريد الصحافة في كل حريتها) . لدعم الديمقراطية التي تقوم على الاقناع والترويض الفكري و ليس الجسدي ، بالتعليم و التنشة المدنية التي تشكل الخطوة الاولى في سلم البناء الديمقراطي . فالحرية والفوضى لا يفصل بينهما سوى برزٍخاً لا يدركه غير الانسان الواعي الذي يصفه المفكر روجر سكرتن بأنه (كل كائن واعٍ لذاته يملك منظوراً خاصاً به) ، ويؤمن أن حريته تنتهي عند حدود حرية الآخرين.

( صحفي وأكاديمي)

تعليقات

التنقل السريع