القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب / نقلاً عن جريدة الزمان الدولية





باستثناء العمل و ضرورات أخرى لا غنى عنها، يتوجب على المرء تنفيذها لتحقيق أحلام تشكل معنى لحياة الانسان، فأن جُل السلوكيات التي تحصل للافراد و الجماعات هي عادات يقوم بها الانسان يومياً بوصفها عوامل لا أرادية . إذ أن تصرفات الفرد اذا ما حاول النظر اليها يجدها عادات مجردة تتغلب على تفكيره لسطوتها على سلوكه و ديناميتها في حياته . و نرى التشابه و التماثل الدائم بين الافراد في التعامل مع الاشياء المادية و غير المادية هي الغالبة و تبديلها نادر الوقوع فقط حين تفرض الحاجات و الوعي الذي يدب في الانسان نحو التحول.

و سلطة العادات لا تطوق سلوك الفرد إزاء ذاته فحسب و إنما تسجن الجماعات لثباتها عرفاً او قانوناً غيرمكتوب يتوارثه الابناء عن الاباء ، و إذا ما حاول الفرد تحدي او مناقشة ذلك الموروث فأنه سيقع فريسة الاتهامات و الرفض و ربما العقوبات و التنكيل ، و مدونات التاريخ شاهداً على العذابات التي أصابت الانبياء و الفلاسفة و المفكرين في مختلف الازمان و الاماكن و المجتمعات ، التي شهدت وقائع تدعو الى الرفض ، و لكن بعد حين أو زمناً طويلاً. بعد ملامسة التقدم و التراكم المعرفي الذي يشكل أحد أهم روافد الارتقاء لدى المجتمعات المتقدمة التي أستثمرت العقل و حرية التفكير بعيداً عن التعصب و سلطة العادات و التقاليد ، التي وقعت تحت تبريراتها الكثير من الفظاعات ، كالثأر و الاقتتال العبثي و الاتهام غير اليقيني او الشبهة المتعلقة بالشرف . لثقتهم بقانون القبيلة أكثر من قانون الدولة .

مرحلة الطفولة

أن عدم التفكير يبدأ من مرحلة الطفولة و التلقين في عملية التعليم و تدريب التلميذ على الحفظ و تطبيق ما ينطق به المعلم او ماذكرته الكتب المنهجية و تفريغها في ورقة الامتحان ، و هذا ينسحب الى مجالات و حقول أخرى في الحياة تشير الى عدم التفكير ،إذ اننا نؤمن بما ينطق و ما يفكر به رمزاً منح الحق بالتفكير نيابة عن الجماعة ، أو حق تفويضه التفكير الذي يفضي الى سلب إرادة    الآخر، دون مراجعة او تفكيك ما يقول و يطرح من آراء و أفكار تحت عناوين المقدس او المكانة الاجتماعية و الموقع السياسي . أي أننا نلغي أو ننفي وجودنا . أن عدم التأمل و تطبيق قوله تعالى{‘قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ? ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ? إِنَّ اللَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ’} [سورة العنكبوت(20)]. التي توجب تفكير الانسان بالخلق و هندسة الكون المبهرة . في ما يعيش أغلب الناس حالات من الكسل الفكري و الخمول بعيداً عن الابتكارات التي أبدعها الانسان في الدول المتقدمة نتيجة البحث العلمي النظري و التجريبي لاستيعاب ما يدور من عظمة في الخلق ، من خلال التقدم التكنولوجي و حرية التفكير . و في الوقت عينه نرى قطاعات و اسعة من المجتمع أعتمدت التوكيل لأشخاص محددين بالتفكير نيابة عنهم في القضايا الاجتماعية و الدينية و السياسية . فقد (أصبحنا نفوض الى الآخرين التفكير عنا ، و نأخذ ما قالوا دون مناقشة . فالمهم عندنا من قال ’ و ليس ماذا قال لأن فكرنا التراثي مبني على الثقة السماعية لا على الحجة العقلية) (د. محمد شحرور ، الاسلام و الانسان). أن صفة العجز تفاقمت ، و غلبة سلطة العادات القبلية على سلطة التعاليم الدينية التي تهذب الانسان ، غدت ملازمة لتصرفاتنا ، إذ إن (العيش تحت سلطة العرف (التقاليد و العادات الموروثة) و إستبداد العرف هو في كل مكان العقبة التي تتحدى التقدم البشري لأن يشن هجوماً متواصلاً على كل ما يهدف الى شيء آخر افضل من المعتاد).(جورج زيناتي ، الحرية و العنف).

و قد طغى هذا الموروث على أحاديثنا و سلوكنا مع تمدد الخطاب الشعبوي ، و إنتشار القنوات الاعلامية التي تكرس خطاب الكراهية و الانقسام ، و تعدد وسائل التواصل الاعلامي و الاجتماعي التي تكشف عن مستوى الهبوط في الوعي و تدني محتوى ما ينشر من قضايا تعمق التعصب و تشيع الجهل و التضليل و الإلهاء بقضايا لا تخدم الانسان و ترتقي بالمجتمع . في ما تندحر الاصوات الواعية و النخب الثقافية التي يتوجب الاهتمام بها و سماع صوتها في عملية التأثير الايجابي و تحسين الواقع الموضوعي ، و ليس إهمالها و تطويقها بأمواج من الامراض الاجتماعية التي كانت سبباً بأستمرار المياه الراكدة.

تعليقات

التنقل السريع