القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




أن دينامية عرض الرسائل و تكرارها للقضايا السلبية ذات الأثر الضار على الجمهور ، دون توفر الارادة لمعالجتها تفضي الى اللامبالاة والاغتراب السياسي لدى المتلقي ، والخنوع وعدم القدرة على الرفض.

وقد أستشرت قضايا عديدة في المجتمع و الدولة خلال الاعوام الماضية ، لعل أبرزها الفساد المالي مثالاً ، حتى أقترن بسمعة البلد وأضحى معولاً لتهديم الدولة و قيم المجتمع .

فليس ثمة جهة سياسية و أجتماعية دون أن تشير الى هذا الداء الذي أنعكس على الواقع الموضوعي ، بدءاً من رئيس الجمهورية الذي- يدعو- ورئيس الوزراء –  يهدد – و رئيس البرلمان – يشير – و عضو البرلمان – يطالب – و رجل الدين – ينصح والمحتج او المتظاهر – يحذر- و كل هؤلاء و غيرهم يعرض أو ينشر الاعلام رسائلهم ، ليؤدي واجبة الروتيني في عكس ما يدور في الواقع ، و ليس التحدي في كشف المعلومات التي أدت الى أنتشار تلك المعضلة وسبل معالجتها ، و قبلها تحديد البؤر التي أنتجتها . بل أن جُل الكُتاب و الصحفيين و المشغلين في وسائل الاعلام ليس لديهم الرغبة الصادقة بأزاحة هذا الداء كي يستمر بالكتابة والإدعاء بوصفه مصلحاً و رجل غيور وطني يسعى لترميم ما أصاب الناس من معاضل و معاناة . إضافة الى إغراق فضاء البلد بالترددات لقنوات إعلامية مدعومة خارجياً تستخدم خطاباً يتسم بالتضليل و إعداد برامج يطغي عليها اللغو و الاهتمام يقضايا ثانوية بهدف تحويل الانتباه عن القضايا المهمة التي تحيق بالمجتمع وإعاقة السبل لتحسين جودة الحياة ، التي أصبح الفساد أحد أهم عوائق التنمية و الارتقاء بالمجتمع . فيما تشكل وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي أحد أدوات التشويش على المتلقي ، إذ تشير دراسات الى نشر معلومات أو أخبار مزيفة بسرعة توازي ستة أضعاف إنتشار الاخبار الصحيحة.

كل تلك الدعوات و الاشارات والفضائح لم تزيح جزءاً من المشكلة ، بل غدت ثقافة يخضع الناس لها ، وتسهم في تكريسها من خلال المشاركة بأشكال مختلفة كتقديم الرشى والتقدير و عدم رفض الاساليب المنحرفة بل مساعدتهم في عملية الاحتيال والخنوع للابتزاز ، لأن الارادة الى الاصلاح مازالت متوارية خلف تلك الاساليب من ناحية و عدم تطبيق قوانين العدالة و المساواة من ناحية أخرى .

إذ أن التغيير يقوم على الاحتياج والشجاعة و الرغبة الجامحة الى الاصلاح ، و ليس الكلمات التي تفقد صداها بتكرار الكتابة أو التلفظ بها . فالكتب السماوية على قدسيتها لم تشيع الفضيلة لدى كل المؤمنين بها .

حالات فساد

غير أن الارادة والكلمة و تطبيق القانون يفضي الى نتائج ايجابية . هذه الروافد الثلاثة تتقوض في ظل الدولة الهشة ، فقد قتل 74 قاضياً منذ عام 2003 و لغاية 11/2/2022،  و قمع إرادة المحتجين بقتل 650 وجرح 25 ألف متظاهر في حراك تشرين فقط ، فيما قتل عناصر من الاجهزة الامنية أبلغوا عن حالات فساد كبيرة كان آخرها المنتسب (كاظم جواد العيداني) الذي أبلغ عن عمليات تهريب النفط في البصرة خلال الاسبوع الماضي ثم قتله و إلقاء جثته بالنفط الاسود!.

أن الفساد ليس مفردة تقترن بمجتمع دون آخر ، و إنما فايروس ينم و يتمدد في كل بيئة توفر له المناخ المناسب أو أسباب الانتشار .

و للافادة من تجارب الشعوب ، نشير الى الاجراءات و الدور الكبير للصحافة في أمريكا التي أنتهى الفساد فيها نسبياً . بعد تأسيس إتحاد المندوبين و المحررين الاستقصائيين كجماعة صحافية لتشجيع و تنمية الصحافة الاستقصائية إثر إغتيال 68 صحافياً عام 2001 و كان 15 صحفياً أغتيلوا بسبب تحقيقات إستقصائية عن قضايا تتعلق بالفساد . لذلك قام الاتحاد بتجنيد إعضائه و قرر 50 صحافياً لمحاربة عصابات المافيا التي سبق لها أن قتلت أحد زملائهم بالذهاب الى ولاية أريزونا للكشف عن تلك العصابات ونشر أسمائهم ، ما أرغم المحاكم على التحرك و القاء القبض عليهم . و إثرها لم يقتل صحفي في الولايات المتــحدة الامريكية.

بمعنى أن نشر حالات الفساد يفضي الى تشويه سمعة الدولة و البلد ، و لا يؤدي الى القضاء عليه دون نشر أسماء الجهات الساندة و المستفيدة باجراء تحقيقات إستقصائية تتابع أدوات الجريمة ، وبذلك يتحقق الرافد الثالث . لإرغام المحاكم على التنفيذ ، والسيطرة على السلاح (غير المنفلت) . ولتضحية بعدها لمرة واحدة الى الأبد ، خير من إستمرار التضحيات بنشر الاخبار و الدعوات و التمنيات والتحذيرات و التواطؤ غير المعلن .

تعليقات

التنقل السريع