القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

إستخدام علم العلامات في تفكيك الحدث وإعادة تركيبه

 قراءة تحليلية ميدانية عن حراك تشرين/ عادل سعد - نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




من حقوق القراءة الموضوعية  ، الانصاف في التقييم  ، واذا جاز لي ان أنصفَ ماكتبهٌ عدنان سمير دهيرب عن حراك تشرين فمن حقي ان اضعه في مصافي البحوث الباهرة حقا في موضوعيتها وفي ملاحقتها التفكيكية للحدث والغوص في التفصيلات   ، بل ويشرفني ان اقف تقديراً لهذا المنجز  ،

البحث لدى  عدنان يرقي على مصافي الرؤية التحليلية التي تعتمد  التوغل في مضامين المعلومات وتفكيكها والاستنتاج  على غرار ما يفعله خبراء في  علم النفس والفلسفة  على رأسهم الالماني الامريكي ارك فروم   ، والامريكي نعوم تشومسكي ، واخرين والقائمة تطول ، ويحضرني هنا ان اشير الى ان الفيلسوف جان بول سارتر دخل على وقائع الثورة الطلابية التي زلزلت فرنسا عام 1968 واطاحت بالجنرال ديغول رغم ارثه الوطني العظيم  في تحرير بلاده من الاحتلال النازي  ، فقد تولى سارتر مهمة اعلامية تحليلية متنقلاً بين المتظاهرين  مستطلعاً الاراء .

كتاب عدنان سمير دهيرب جاء تحت عنوان (المعلومة، الرمز، الشعار ـ دراسة سيميولوجية اتصالية في حراك تشرين ـ) تضمن ثلاثةَ فصولٍ ، الاول ، مفهوم المعلومة، مصادرها  ، انواعها  ، مدخل لمفهومي الازمة ومؤشراتها بشأن تظاهرات العراق  ،  ادارة الازمة، ازمة التظاهرات، البداية  وديناميكية الازمة ، اثر المعلومات في تفعيل السلطات ، المعلومة في وسائل الاعلام اثناء ازمة التظاهرات العراقية، انتشار الشائعات ، قرارات عقابية، حرية الاعلام، الدعم الديني  ، التعدد وتناقض المعلومات  .

حراك تشرين

  • اما الفصل الثاني فقد، تناول الرمز في حراك تشرين ، بينما تطرق المؤلف في الفصل الثالث  الى الوظيفة الاتصالية للشعارات في حراك تشرين  (تطور نوعي ، الوظيفة الاتصالية ،الوظائف الاتصالية للشعارات ، ارتباك وتعدد المعلومات في ازمة التظاهرات  ، اتجاهات الرأى وديناميات الاحتجاج  ، قبلية الدولة ومدنية التظاهرات ، افكار افضل لمعالجة السخط ، وقبل الدخول  في التفاصيل لابدَّ لي اولاً ان اتوقف عند توصيف الاستاذ الدكتور احمد عبد المجيد  في تقديمه للكتاب حين اشار الى ان الباحث كان (موفقاً في التقاط الثيمة الاساسية في الدراسة التي عالجت وقائع الاحتجاجات  حيث يمثل حضورها عاملاً  مهما في اضاءة الفضاء الاتصالي،فيما يشكل غيابها فرصاً سانحة للتخبط والافرازات السلبية ، ومنها الشائعات وغياب الحقيقة  والاخبار الكاذبة وتنامي التضليل  وتفاقم النزاعات) .

ولأن المعلومة هي الاساس الذي استند عليه المؤلف في علم الدلالة فقد وضعها  في المقدمة مصنفاً اياها بتسعة انواع  ( المعلومات الرسمية ، المعلومات غير الرسمية، المعلومات السياسية،  المعلومات  الاجتماعية، المعلومات الاقتصادية، المعلومات الامنية والعسكرية ، المعلومات التاريخية، المعلومات التكنولوجية، المعلومات التعليمية)  ومع تحفظي على  هذا التصنيف ،لكن يبدو انه اراد به ان ينسجم مع بحثه خصوصاً حين رَبطَهٌ بتوجيه مدرسي  عند تناوله لمصادرها استكمالاً للمعرفة الحسابية  .

يتوقف المؤلف عند المشكلة العراقية وكيف تحولت الى ازمة برؤوس اقتصادية وعسكرية واجتماعية وسياسية ثم تمددها لتتحول الى ازمة مستعصية  ، وكان من الطبيعي بل والحتمي ان يتبلور مقابل هذه الاختلالات رفض شعبي تمثل بالتظاهرات والعصيان المدني  وفق النسخة التشرينية المعروفة.

لقد استخدم عدنان علم الاشارات والدلالات في اطار رصد وتفكيك وتركيب للعلامات البصرية والاشارات والرموز  ، ومن هنا استطاع ان يضع احداث تشرين على منصة فحصٍ متشعبٍ  ، متابعاّ  بعمقٍ كل ماجرى فنجحَ في ترسيم صورٍ واضحة المعالم ضمن تشريح هيكلي على درجة من النباهة .

يقول الباحث ان (تظاهرات العراق اخذت تشكل فعلاً مؤثراً  ، وحدثا صادماً  ، اضافة الى انها لم تكن بدفع من جهات سياسية وزعماء ومنظمات، بل ان تميزها واهميتها بما تحمل من اسباب موجبة خلقت قناعات وقيادة ذاتية تضامنية بعيداً عن الهياكل التنظيمية  الهرمية نسبياً  اتسمت بالتفاعل والحوار وبأستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي وفعاليات واحداث تحمل كل تساؤلات الخبر الذي تبحث عنه وسائل الاعلام لتٌشبع حاجات الجمهور لما أنطوت عليه من معانٍ  وتطلعات)  .

وفي هذا السياق يرى عدنان  مقابل ذلك( ظلت الازمة تسير وفق معادلة مغلقة بين الاطراف المتصارعة لاسيما ان جهات سياسية داخلية وقوى اقليمية وخارجية لاتريد الوصول الى حل للازمة  دون فرض ارادتها لأعتقادها ان الحل لايمر من دونها)  . ولي هنا ان اضيف بالمزيد من الحيثية   ، ان الباحث  كان على موضوعية سسيولجية فيها المزيد من الفهم لمقدمة ابن خلدون وملاحقات الدكتور علي الوردي.

ويتوقف المؤلف عند التعامل الاعلامي مع الاحداث ليشير الى التناقض والتخادم بين اطراف ثلاثة   ، الاول، النظام السياسي القائم بكل مايملك من احداثيات  تحكمها النزعات الحصصية  والتفاطن الآني  ،الثاني،المتظاهرون بمايمثلون من قوة سياسية ضاغطة وحرمانٍ مزمنٍ  ،الثالث قوى المجتمع العراقي  الذي يعد غالبيته مصدرا داعماً لفعل التظاهرات في مصاهرة مفتوحة اغنت بحق العديد من مضامين الوحدة الوطنية.

لقد تعاطى الاعلام مع محركات هذه الاطراف الثلاثة بالمزيد من الشد الجدلي  البنيوي دون ان يعطي اية فرصة تذكر للفحص المتوازن الوضع الذي تسبب في ضياعات وهذا ماكانت تريده السلطة الحاكمة على ضعفها والخصومات التي تسودها  لتضيع دماء شهداء الانتفاضة هدراً   .

طقوس حسينية

وفي سياق اخر  ، يحصي الباحث  تحليلياً تسعة  رموز في الحراك

  • الطقوس الحسينية • العلم العراق •جبل احد ويقتضي التنويه هنا كيف تمًَ توظيف هذا الدليل التاريخي اللوجستي لاحداث اختراق في مشهد الحراك •التك تك • ايقونة الحراك في اشارة لشهداء التظاهرات  • الانجاز التشكيلي الگرافيكي •اليشامغ، المرأة نموذج ضمن استخدام قيمة الغطاء في مفهوم الجندر •الهوية ضمن استخدامها لخدمة حدث الحراك على غرار موقف المسيحيين العراقيين في الامتناع عن تلبية متطلبات اعيادهم من اجل الابقاء على الصورة الحدثية للتظاهرات هي الاعلى • قص الشعر لدى متظاهرات قربانا لحدث الحراك  ، واذا كان الباحث قد استخلص  16استنتاجاً تستحق الاخذ بها فانه ومن ذات الاستخلاص نجح  في الكشف عن المنهل البنيوي الذي اعتمده المتظاهرون لثورة سيد الشهداء الحسين ودخول التظاهرات في موجتين اخريين  ، الموجة الثانية التي استمرت خمسة اشهر،وقد (كشفت عن وعي عفوي بسلبيات الواقع المحيق بالانسان العراقي الذي اثقلته اخطاء السلطة) ، ثم الموجة الثالثة من التظاهرات التي كان مسرحها المحافظات  .

بخلاصة  استنتاجية  ، كان عدنان سمير دهيرب ماهراً  في متابعتهِ  للتظاهرات  ، واذا كانت هناك حاجة في يوم من الايام لتناول هذا  الحدث مجدداً  ، فان ماكتبه عدنان في هذا الشان يظل مصدراً  لايمكن الاستغناء عنه .

تعليقات

التنقل السريع