القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الحديث لغاية الموت في الفضاء العمومي

 عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




يشكل الفضاء العمومي احد ركائز الديمقراطية و ديناميتها . إذ تتفاعل الافكار و الاراء  في حيز يهم جمهوراً متعدد الاتجاهات يتناول المعاضل التي تطرأ في المجتمع , تتخذ من وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاعلامي أداة لطرحها بحرية و مناقشة أسبابها و سبل العلاج للارتقاء بالواقع و تعزيز قيم الديمقراطية بوصف الفضاء العمومي وسيط  و منتدى بين المواطن و الدولة .و هذا المجال ينبغي أن ينطلق من واقع ثقافي و رصيد فكري و حرية حوار لا يستند على عصبيات تفضي الى تصلب العقل و الرأي ,  و أنما التفكير العقلاني و الاختلاف المقترن بالحجة , و تفكيك عُقد ما زالت تسيطر على جمهور تواصلي , يقارن بين الماضي و الحاضر بعيداً عن الاهتمام بصناعة المستقبل . و يرى عبدالله الزين الحيدري أن الفضاء العمومي فضاء تواصلي , و مشروعاً أجتماعياً للفعل الاجتماعي أن يكون محركاً للنضج السياسي و الازدهار الثقافي و منتجاً للديمقراطية .واذا كانت القضايا التي تلتقي مع اهتمامات الناس و تشكل رأيا عاماً للضغط على السلطة لتجاوز المشكلات , فأن الوعي يبلور إتجاهات الرأي حول تلك القضايا . أي أن ما يطرح في الفضاء العمومي ينبغي أن يكون ناضجاً , بالافادة من تجارب الشعوب و ما يطرحه المفكرون و الباحثون من أفكار تعزز تطلعات الجمهور للارتقاء بمستوى إدراكه في تناول المشكلات التي تتطلب التضامن و الوعي و تشخيص الكبوات  و المعاناة و عدم الاستقرار.كما ان المجتمع المدني بتشكيلاته و روافده المتعددة المنتشرة حالياً في العراق كالاتحادات و النقابات و المنظمات الانسانية و الخيرية المهتمة بالطفولة و المرأة و الشباب و محاولات معالجة مشكلاتها التي وقعت بفعل خلل برامج الدولة على حياة تلك الفئات و ما أصابها من إعاقات و نتوءات , يجب أن تكون أدوات للضغط المنتج بما يفيد الافراد و الجماعات . فالمجتمع المدني وفق تعريف ماكسيم أوبرت , أي حيز يقع خارج الدولة , تمارس فيه الحرية و ابداع الاشخاص , و يقيم فيه الاشخاص المتساوون رغم اختلافهم , علاقات في ما بينهم عن وعي , و يتواصلون و يقيمون علاقات تبادلية , و يبرمون عقوداً , و يتشاركون بطرائق مختلفة , حيز ينظم فيه الاشخاص ذاتهم من أجل التعريف بحقوقهم , و يساهمون في تحديد المصالح المشتركة .غير أن المنظمات لم تعد ذات فعل انساني مجرد و مؤثر يتناسب مع دواعي وجودها , جراء سيطرة الدولة عليها من ناحية و تمدد و اختراق الاحزاب من ناحية اخرى لاستخدامها كأدوات ناعمة للتغلغل داخل المجتمع لاسيما الفئات الهشة التي تعاني من نقص حاجاتها الانسانية , لتشكل تالياً قاعدة يمكن الهيمنة عليها لاغراض سياسية و ايديولوجية في بيئة يغلب عليها الصراعات و المناكفات بين قوى ترى في الفضاء العمومي ساحة مبارياة لكلام لا صدى له في تغيير الواقع و اصلاح النظام السياسي , و ما يؤكد ذلك أعتراف قادة العملية السياسية بالفشل , و في ذات الوقت تمسكهم بالسلطة و الاستمرار بنهج و تدابير تتخاصم فيها مع آراء و أفكار تطرح في الفضاء العمومي .و تتلقى أشكالا شتى من الاتهامات و التخوين و القمع اللفظي و الجسدي مثلما حصل مع حراك تشرين  الذي كان الفضاء العمومي احد اهم العوامل المحفزة للحراك و ما تناوله من دعوات الى الحرية و المواطنة و أفضليات تتعلق بأهتمامات مجتمع يعاني من تراكم السلبيات و طبقة سياسية كانت سبباً في صناعة الازمات و التدهور الاقتصادي و الامني و غياب العدالة الاجتماعية .بل ان الاحزاب أخترقت  بأدواتها ذلك الفضاء و استغلاله لنشر خطابها بأستخدام كل الوسائل و إثارة قضايا غاطسة في الذاكرة الجمعية بهدف الألهاء و تحويل الانتباه عن معضلات المجتمع الآنية , و أذا ما تناولت التحديات الحالية فأن برامج القنوات التلفازية التي تمتلكها  ,  تتناول جزءاً من تلك المشكلات مثل تشكيل الحكومة المعطل منذ ثمانية أشهر رغم الاعتراف (بالتعطيل المفتعل) , لإشغال الرأي  العام عن تحديات أخرى و أزمات تحيق بالمجتمع كالمخدرات , الفساد, السلاح المنفلت , الكراهية , العنف المجتمعي و الاسري , الطلاق , البطالة و تدهور الخدمات و سوى ذلك غدت ظواهر لو حصلت في أنظمة أخرى تدعي الديمقراطية , فأن مصير الحكومات السقوط المتوالي , وليس العجز عن تشكيل حكومة  بعد كل انتخابات بهدف التشبث بالسلطة للانقضاض على مغانمها , و استمرار حكومة محاصصة مكبلة غير قادرة على إداء و اجباتها إزاء شعب ليس أمامه سوى التظاهر و الاحتجاج و الصراخ و تطبيق المثل العربي (أن تكلمت في الماضي ستموت , أما اليوم فلك أن تتحدث الى غاية أن تموت ).

تعليقات

التنقل السريع