القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

وسائل للتواصل ومحتوى للخلاف

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة "الزمان الدولية"




لكل مرحلة من مراحل الحضارة الانسانية .وسائلها و أدواتها التي تظهر لتشكل سمة تلك المرحلة و نواة لنقل الافكار بهدف التأثير و التغيير في المجتمع و مستويات التفكير والسلوك و تنظيم الافراد.

تلك الوسائل تختلف أو تتباين مع دينامية العقل و التجارب العلمية والتطور. فالدول تتسابق في تهيئة البيئة المحفزة لدعم الافكار.ورعاية الانتاج العلمي.و صناعة وسائل الاتصال و الاعلام التي تُعد أحد أشكال التطور التي شهدتها البشرية على مدى العقود المنصرمة.ليس في المجال التقني فقط .بل غدت أحدى علامات السياسة و دلالات النظام السائد في البلد .من خلال ما تحمل من محتوى يتم أيصاله للجمهور.و كيفية التأثير و كسب الملتقي الذي يشبع حاجاته من ذلك المحتوى.وصناعة رأي عام يسهم في صياغة القرارات و القوانين ذات العلاقة في بنية المجتمع. لاسيما في مرحلة أنتقالية من بناء الدولة و النظام السياسي الذي يتطلع فيه المواطن الى التغيير والبحث عن الحقيقة. إذ توصلت الدراسات الى نتائج تؤكد أهمية تلك الوسائل في عملية التغيير و الارتقاء لدول شهدت تحولات كبيرة في بنيتها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.

عصر الانوار

ففي عصر الانوار الذي بدأ في أوروبا قبل ثلاثة قرون كان للصحافة و المنشورات و الفنون والاداب و الصراع الفكري الذي شهده القرن الثامن عشر و السنوات اللاحقة كانت منطلقاً لعملية التغيير و التحول في الفكر وطروحات مغايرة لما كان سائداً .بفعل سطوة تعاليم الكنيسة والمعتقدات و الصراعات الدينية والمذهبية التي مزقت أوربا و دمرت المجتمع .فقد أزهقت أرواح الملايين و سالت أنهار من الدماء.وهدرت أموال باهظة  لتكريس خلافات مذهبية و تحقيق نزوات أباطرة و قياصرة وملوك للبحث عن المجد الشخصي و النصر الذي يتحقق بقتال بقتال اشخاص لم يرَ احدهم الاخراو ثمة خلاف بينهما. في صراعات كان يتساند فيها رجال الدين مع السلطة.

ونتيجة لذلك الحطام و مشاهد المأساة .كان ثمة رافضاً لما يحصل ومتحدياً لتعاليم متكلسة صلدة.. بزوغ افكار.تحمل بذور التنوير التي تؤكد على سلطة العقل و التسامح .أتخذت من تلك الوسائل الاعلامية أدوات لنشر الافكار.و الانتقال من الحلقات الضيقة الى المجال الاوسع .. لخلق نقاش علني يشارك فيه الجمهور .بتراكم وتواتر الافكار التنويرية و القناعة في التغيير والارتقاء بالطرح الفلسفي والعلمي الذي كان أحد العوامل الهامة في عملية التصدي و التحول و الرغبة في  التعايش و الارتقاء.

ويرى باحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي في المرحلة الحالية .تُعد أحد أهم وسائل الاتصال التي منحت الانسان حرية أوسع في التعبير عن الرأي .وهي تلتقي من حيث الاهمية و الفعل مع تلك الوسائل الاولى التي ظهرت في أوروبا و نتفق مع هذا الرأي بيد ان محتوى هذه الوسائل في احايين كثيرة انعكاس للبيئة العراقية المضطربة و الغارقة بالخلافات و الواقعة في ثنائية الانفتاح / الانغلاق .الاولى الوسيلة ذات الفضاءات المفتوحة و الثانية الفكرة و ما تحمله من صراع ذاتي منغلق جراء إختلاف مستويات الوعي و الادراك. فالحرية تبدأ حين ينتهي الجهل لأن منح الحرية لجاهل كمنح سلاح لمجنون مثلما يقول فيكتور هوغو لذلك فأن ما يطرح وما تحمله هذه الوسائل أستغله الكثير من الجهلة من جهة ,واستثمرته جهات سياسية لنشر ايديولوجيا تسعى الى تلوث التعايش وتكريس الانقسام المجتمعي بترسيخ خطاب الكراهية  باستخدام العنف اللفظي الذي أدى الى التشظي.من حهة اخرى.من خلال ايقاظ موروثات مستقرة في قاع المجتمع .وتقاطع المصالح و الرغبة في السطوة و السيطرة و الغاء الاخر .و اضحت مسالك للفرقة و الضعف .مما أنتج أنعداماً للثقة و السير الى الخراب  بأرادتنا من خلال الاستخدام السيئ لتلك الوسائل التي توقظ الكراهية. و أصبحت تشكل خطراً على  التعايش و السلم الاهلي في مجتمع و بيئة تعاني من الاضطراب السياسي و الاجتماعي . مع تراجع دور المثقف الذي أضحى صدىً لما يجري أو صوت يتلاشى وسط ضجيج صراخ المختلفين حول القضايا الجوهرية و الهامشية.

مما أنعكس ذلك على اتجاهات الجمهور حد التقاطع و التقاتل .أضافة الى أستخدام تلك الوسائل من قبل العناصر الارهابية المتطرفة. فقد تمكنت فرق الامن الرقمي التابعة لجهاز مكافحة الارهاب خلال النصف الاول من عام 2021 في تعقيب(26280) حساباً للعصابات الارهابية على منصات التواصل الاجتماعي م مواقع التراسل الفوري.

مواقع مختلفة

ونعتقد أن ثمة حسابات أخرى تقفز الى تلك المواقع مختلفة فكرياً وعقائدياً تحمل خطاباً تكارهياً وأساليب و مفردات سوقية سلبية جراء الانغلاق و العصبية.نتاج تسطيح العقل و سلب الحوار والمعلومة الناضجة من محتواها الحقيقي . وبذلك فأن عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية وعدم الافادة الصائبة من تلك الوسائل جعلها منافذ للشحن الطائفي ووسائل لاغتيال السلم المجتمعي ومدونات للتخلف و أذرع للصراعات التي تعيق النهوض و بناء الانسان الذي يتطلع الى التغيير .مما يلزم الجهات المختصة السعي الدؤوب لمعالجة هذا الطوفان الذي يُغرق المجتمع .مع استمرار العصبيات المذهبية والعرقية والايديولوجية .و تراجع الافكار التنويرية و شكلية حضور منظمات المجتمع المدني.

فالمرء لا يولد طائفياً أو متعصباً أو و اعياً و أخر متخلفاً و انما بالعوامل المكتسبة التي يتحصل عليها و بناء شخصيته و قناعاته .بالبيئة التي تغذي الفرد و الجماعة .فهي مازالت مؤثرة بالرغم من عالمية الافكار التي تحملها وسائل الاعلام والتواصل فالثقافة المتراكمة .و مدى أمكانية التحول و التغيير باسهام  المفكرين و المثقفين و القوانين التي تصدرها الدولة لبناء المجتمع .كفيلة بمعالجة الواقع الملوث .أي أن لايكون محتوى تلك الوسائل سائباً سائلاً حسب النزوات و الرغبات والحرية غير المسؤولة التي تحمل مفاهيم شتى بعيدة عن الارتقاء بوعي وإدراك المرء المستخدم .والنهوض بالمجتمع لان القوانين التي تهدف الى العدالة والمساواة و تأمين الحقوق تحرس المجتمع من الوقوع في فخ التشظي والصراعات من خلال خطاب الكراهية الذي يشكل ميداناً للعتمة.

إذ يجب أن تسود اليقظة فهي كما يقول نابليون (ضرب من ضروب الشجاعة) و الشجاعة تتسم بالذكاء في صد و معالجة المخاطر التي تحيق بالمجتمع .والذي تشكل رسائل التعصب في تلك الوسائل أحد المخاطر التي يجب التصدي لها بشجاعة.

تعليقات

التنقل السريع