عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة "الزمان" الدولية
يقيناً أن المشهد العراقي خلال السنوات الماضية بعد المتغير السياسي ، يمور بالصراعات المذهبية و السياسية التي إنعكست على الواقع الاجتماعي ، الذي كشف عن خلافات و تحديات جمة أفضت الى تراجع و انتكاسات، مازال يعاني منها البلد. وليس في الافق ما يدل على تجاوز تلك المعضلات جراء عدم كشف الحقيقة ومواجهتها ، جوهر المشكلات الراسخة في بيئة مضطربة، فالمعالجة لا تتم بالقفز على المشكلة وإنما بمواجهتها ، و تحديد الجوهر و الاطار و العمل على تفكيكه أي المشكلة التي يعاني منها المجتمع و الدولة التي أنزلقت الى ذات الصراعات ، و أثر على إدائها و حضورها ووجودها كمؤسسة هدفها حفظ النظام العام و حماية الافراد و العمل على تحسين جودة الحياة.
كان للفصائل المسلحة الدور الكبير في الحرائق التي نشبت خلال السنوات الاولى بعد المتغير السياسي و بلغ عددها 268 تنظيماً مسلحاً في العراق- استناداً لبحث- رصد الواقع عام 2007. ورغم تراجع هذا العدد الى 89 فصيلاً مسلحاً مثلما ذكر ذلك السيد نوري المالكي في بداية هذا العام . فأن هذا الرقم أيضاً يشير الى مستوى غير مقبول قطعاّ، و يدل على أن حالات الفوضى جاهزة في الوقت الذي تعتقده أو الجهة التي تتخذ من تلك الفصائل أدوات و أذرع لتنفيذ مخططاتها.
وجُل الفصائل تحمل أسماء إسلامية أو تقترن بوقائع و أحداث حصلت في التاريخ الاسلامي أو أسماء شخصيات أسلامية مما يكرس الخلاف و الاختلاف ليس على أسس فقهية وإنما باستدعاء نصوص تاريخية تكفر و تلغي بل تقتل الاخر المختلف مذهبياً أو دينياً . و هذا الفكر و السلوك المخالف للدين الاسلامي الحنيف ، أدى الى تغول خطاب الكراهية و الفرقة و الانقسام بين أبناء الدين الواحد و النبي الأوحد والوطن الواحد ، خطاب مازال سائداً ، رفعت صورته ونشرته وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي و منابر الجوامع ، مما أدى الى الاحساس بمخاطر مشكلة مستعصية تنتج الهلاك و سفح دماء الكل بما فيها الجهات التي تدعو اليه ، فكان مؤتمر جمع المرجعيات الدينية العراقية الى طاولة واحدة بهدف رفض الخطاب الطائفي والكراهية وتأكيد وحدة الكلمة . وبث روح التسامح و التعايش السلمي و الاحترام المتبادل والاعتدال و الوسطية ونبذ التطرف و الغلو مثلما أشار البيان الختامي للمؤتمر الذي نشرته الزمان يوم السبت الى أن الأولوية في الخطاب الديني و الاعلامي تكون بتأكيد كلمة التوحيد ووحدة الكلمة و حفظ هوية الوطن و الحرص على ابنائه ورفض الارهاب وإدانة العنف بكل صوره.
ويُعد هذا المؤتمر خطوة أوالية للتقارب بين المذاهب و اعتراف بدورها وأهميتها في السلم و التعايش . وهو يشبه ما حصل من مؤتمرات عقدت في أوربا لإنهاء الصراعات والقتال الذي جرى بين المذهبين الكاثوليكي و البروتستانتي وأفضت الى المكاشفة حتى تخلى (الكاثوليكيون البابويون عن التكفير نهائياً بعد أن تطوروا وجددوا لاهوتهم الديني و صالحوه مع الحداثة) وهو احد اهم اسباب التحول والتغيير في مجتمع عانى قرون و سنوات طويلة من الخلاف و الصراع المدمر.
ولأهمية وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي نرى من الضروري أن تولي لمخرجات هذا المؤتمر الاهمية بتغطيته ومناقشة مخرجاته ، فقد لاحظنا إهمال معظم وسائل الاعلام لاسيما القنوات الفضائية للمؤتمر و نتائجه ، بل الضرورة تقتضي الاستمرار باجراء الحوارات الحقيقية و نشر وتكريس مفردات البيان الختامي الذي يؤكد على الحوار و التعايش و السلم الأهلي.
تعليقات
إرسال تعليق