استطلاع /علي لفتة سعيد
منذ أن رفعت وزارة المالية سعر صرف الدولار وحركة الاسعار في تصاعد، حتى سعر الدولار ذاته لم يهدأ ولم يبق على السعر الذي حددته الوزارة وهو 145 ألف دينار لكل مئة دولار، ما جعل الاسعار تتصاعد بنسب مخيفة، وأهمها ليس ارتفاع المواد الغذائية فحسب بل ارتفاع أسعار المواد الانشائية التي تهم المواطنين الذين يرومون بناء دور سكنية لهم، خاصة أصحاب الدخل المحدود للتخلص من دفع بدلات الايجار، ما انعكس بشكل سلبي على مواصلتهم البناء واللجوء الى التوقف الاجباري لعل الاسعار تعود الى سابق عهدها،ليس قبل ارتفاع سعر صرف الدولار نهاية العام الماضي بل الى اسعارها في الاسابيع الماضية حين ارتفع سعر الصرف ثانية ووصل في التعاملات الى 150 الف دينار لكل مئة دولار، وكأن حلم امتلاك بيت (مُلُك) قد يتحول الى كابوس كبير، كون الارتفاع كما يصفه المتضررون شبه جنوني، وهذا سيؤثر في مئات الآلاف من المواطنين الذين توقفت أعمال البناء لدورهم نتيجة لهذا السبب، وهو ما أكدته وزارة التخطيط في احدث تقرير لها عن ارتفاع اسعار مواد البناء في العراق نتيجة لارتفاع سعر الدولار.
اعتراف وزاري
الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط اصدر بيانا اعترف فيه بأن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الإنشائية في الأسواق المحلية، سواء كانت هذه المواد منتجة محلياً او مستوردة، وان الجهاز تابع 64 مادة بناء تم تسجيلها في الأسواق المحلية وارتفعت اسعارها.
وبين الجهاز في تقريره ان المواد الاكثر استخداما و تأثيرا في الأسواق هي: الطابوق والسمنت وحديد التسليح، ليوضح فرق الاسعار في التقرير بحسب المعدل، فبالنسبة للطابوق ارتفع معدل سعره لشهر كانون الاول الماضي وبلغ 160 الف دينار لكل 1000 طابوقة، مسجلاً ارتفاعا بلغ 14بالمئة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني، الذي كان قد بلغ 140 الف دينار لكل 1000 طابوقة، بينما بلغ سعر الطابوق الجمهوري لشهر كانون الاول 171 الف دينار لكل 1000 طابوقة، مسجلا ارتفاعا بنسبة 6 بالمئة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني الذي بلغ 161 الف دينار لكل 1000 طابوقة، واشار التقرير الى ان معدل سعر السمنت العادي لشهر كانون الاول الماضي بلغ 102 الف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 13 بالمئة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني الذي كان 90 الف دينار للطن الواحد، بينما بلغ معدل سعر السمنت المقاوم لشهر كانون الاول 124 الف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 11بالمئة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني بسعر 112 الف دينار للطن الواحد، ويمضي التقرير في تحديد نسب ارتفاع حديد التسليح الذي يطلق عليه في العراق (الشيش) فيبين: إن اسعاره من المنشأ الأجنبي لشهر كانون الاول بلغت مليونا و37 الف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 33 بالمئة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني الذي بلغ 779 الف دينار للطن الواحد.
مواطنون وحسرات
لكن المواطن احمد علي وهو يقوم ببناء دار سكنية له على مساحة 100 متر قال: انه توقف عن البناء لان الاسعار ارتفعت جنونيا خلال شهر أيار الماضي، ما اضطره الى التوقف عن مواصلة البناء الذي يريد اكماله الى السقف لكي يتمكن من الحصول على قرض مصرف الاسكان الذي تنص تعليماته على أن من يصل الى السقف فان القرض يصل الى 40 مليون دينار، ومن لم يصل يمنح 30 مليون دينار، واضاف ان سعر حديد التسليح وصل الى مليون و800 الف دينار للطن الواحد، وسعر السمنت وصل الى 130 الف دينار وهو انتاج عراقي، اما سعر الطابوق فانه يسعّر وفق ما يطلق عليه (دبل) وهو اربعة آلاف طابوقة، اذ بين احمد انه وصل الى مليون و350 الف دينار، وبحسبة بسيطة نرى ان الارتفاع الجديد كان كبيرا عما سجلته وزارة التخطيط، اذ ارتفع حديد التسليح الى 776 الف دينار وارتفع سعر الطن الواحد من السمنت (20 كيس زنة 50كغم) الى 28 الف دينار، بينما ارتفع سعر (دبل) الطابوق سعة اربعة آلاف طابوقة الى ما يقرب من 736 الف دينار.
والامر ذاته يقوله المواطن ماجد الذي اكمل بناءه بطريقة شبه بدائية لارتفاع الاسعار في الأشهر الاولى لارتفاع سعر الدولار، ولم تقتصر على المواد الثلاث السابقة، بل تعدت الى النوافذ وارتفعت الى ضعف سعرها السابق والزجاج والكهربائيات والبلاطات وانابيب الماء وغيرها، ويقول وهو يقف بحسرة امام بيته الذي بدأ ببنائه قبل ارتفاع الاسعار خلال الاسابيع الماضية، كونه كان ينتظر الحصول على سلفة مالية، ان هذا التأخير تسبب لي بارتفاع المواد التي يراها البعض بسيطة، الى اكثر من ثلاثة ملايين دينار عن الأسعار السابقة.
معامل وزارة الصناعة
وقال المحلل في الشأن الاقتصادي والاعلامي ملاذ الأمين: ان قطاع الاسكان يعد من القطاعات المهمة لتوفيره فرص عمل واسعة لمختلف التخصصات، وحتى العمال الذين ليس لديهم تخصص معين، ففي هذا القطاع يعمل المهندس والبناء والكهربائي والصباغ والنجار والحداد وكذلك معامل السمنت والطابوق وغيرها كثير.
واضاف: ان توقف او تعطيل قطاع الاسكان والبناء يعني احالة عدد كبير من العمال كما ورد في اعلاه الى رصيف البطالة، اضافة الى تأخر خطط الحكومة في القضاء على ازمة السكن إلى جانب الآثار الاقتصادية الأخرى المعنية بالتداول النقدي للأموال، مبيناً أن على الحكومة أن تطلق مبادرات لتشجيع ودعم قطاع الاسكان، ومنها القروض الاسكانية وتوزيع الاراضي السكنية مع توفير المواد الانشائية باسعار مناسبة كالسمنت والحديد والطابوق والرمل وغيرها و السيطرة على اسعارها لإدامة عجلة العمل الاسكاني.
مفيداً أن وزارة الصناعة والقطاع الخاص لديهما معامل للسمنت والجص والطابوق والحديد والاسلاك النحاسية وعملية السيطرة على اسعارها ستكون سهلة ما دام الأمر لا يخص الاستيراد واحتكار المواد من قبل التجار والمضاربين، فمثلا دعم معامل الطابوق بالوقود يؤدي الى زيادة الانتاج وزيادة العرض ومنافسة المستورد، وكذلك الحال مع بقية المواد الانشائية التي ارتفع سعرها مؤخراً.
واشار الى أن استمرار عامل البناء في العمل يعني تمكينه من توفير مستلزمات اسرته من الطعام والدواء والتعليم أيضا، وابعاده عن رصيف البطالة الذي تترتب عليه لو توسع آثار اجتماعية ونفسية خطيرة.
مشاريع و لكن!
ولم يدر بخلد احمد عدنان (33 عاما) غير البحث عن عمل يستطيع من خلاله توفير معيشته واسرته في هذا الوقت الذي يشهد غلاء الاسعار، فحسب قوله ان «احتياجات البيت لا تنتهي، اضافة الى بدل الايجار الذي كسر ظهري»، معللا ذلك «لدي قطعة ارض لم تبنَ الى الآن والسبب هو عدم توفر سيولة كافية للبناء، فضلا عن غلاء المواد الانشائية التي هي بالاصل تكلف الكثير من المال، ناهيك عن ارتفاعها في هذا الوقت، ما جعلني افقد الامل بالبدء ببناء الارض للسكن فيها، اما الاموال التي كانت مخصصة للبناء فقد فقدتها في احد المشاريع، وايقنت في النهاية أن حلم السكن في منزل لا يدق بابه المؤجر بات بعيد المنال».
تعليقات
إرسال تعليق