القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

 عدنان سمير دهيرب / نقلا عن جريدة الزمان الدولية




      مازال وصف الملك فيصل الاول للمجتمع العراقي مطلع القرن الماضي في رسالته الى بعض السياسيين والوزراء تُعد أحد الوثائق المهمة التي ينظر اليها الساسة والباحثين باهتمام ،لما تحمل من وصف دقيق لمجتمع  يتسم باتجاهات مختلفة ومتناقضة . فهويقول أن المجتمع ينقصه أهم عنصر ،هوالوحدة الفكرية والملية (القومية) والدينية فهي والحالة هذه مبعثرة القوى … ففي العراق أفكار ومنازع متباينة جداَ …الخ. وهذا الوصف ينسجم مع كل الدول والشعوب التي تتسم بالتنوع مع غياب الدولة . ولأن العراق في 1933 – تاريخ الرسالة – لم تكن فيه دولة بل شكلها الضعيف فقط . فأن تفكك المجتمع وتعدد السلطات الأهلية ،المذهبية ،العشائرية ،الدينية والقومية يشكل سمة لذلك المجتمع ،إذ أن ثمة علاقة تبادلية بين الدولة والمجتمع في شكل النظام السياسي ووصف المجتمع والقوى المغذية لقيام الدولة . وقد شهد العراق خلال العقود المنصرمة تحديات ومنعطفات وصراعات شديدة التأثير على أنظمة الحكم التي توالت على حكم البلد ،وأسهمت بتكريس البنى التقليدية ،وأنتجت حكومات تتماشى مع تلك البنى ،وتعمل على تغذيتها في علاقة تبادلية ،رغم تغير الاحزاب مختلفة الايديولوجيا التي توالت على الحكم ،غير أن ثمة رابط بينهما يقوم على العصبية التي حددها أبن خلدون ( في أن الحكم والدولة أنما يحصلان بالقبيلة والعصبية .. مقترنة بالوازع الديني ) ولكنه أشار في الوقت عينه الى أنهما سبباَ الى ضعف الدول ،ذلك قبل ثمنمائة عام ،حــــين تستفحل هاتين المنظومتين على منظومة الدولة.

أن التغييرات التي حصلت في العراق تتوسل الوصول الى قيام دولة حديثة ،ولكن استمرار الانتماءات الفرعية العصبوية ،تحول دون قيام دولة وطنية تسودها المواطنة والقانون والعدالة بين مجتمع متعدد الهويات وأحزاب تتمترس خلف الهويات وتعمل على تكريسها لحماية مصالحها الذاتية في السيطرة على الحكم والمجتمع ،تحت ذرائع وأحجية لا تلتقي مع مفهوم الدولة الحديثة وأهدافها ووظائفها بوصفها تنظيم اجتماعي لخدمة الفرد من خلال مؤسساتها المتعددة لتطبيق القانون مع الحفاظ على تلك الهويات الفسيفسائية ضمن الهوية الوطنية الجامعة التي تشكل أطاراَ لهوية الدولة والمجتمع ،أي أنها  لا تستمد قوتها من الجانب المادي فحسب  وانما من الجانبين الأخلاقي والانجازي باحتسابها وسيلة لتأمين الحقوق التي يتشوف اليها الفرد والمجتمع ضمن النظام السياسي .

اجتماع طبيعي

ويرى المفكر عبد الله العروي أن الدولة ظاهرة من ظواهر الاجتماع الطبيعي . تولدت حسب قانون طبيعي ،حكمها أذن تحت حكم المجتمع العام : إذا بقيت خاضعة لقانون تولدها وظهورها كانت طبيعية ،أي معقولة لذا لا ينشأ تناقض بينها وبين المجتمع أوبينها وبين الفرد . أذا حصل تناقض فلسبب غير طبيعي ،ناتج عن خطأ انساني متعمد ،وفي تلك الحال تنشأ الدولة الاستبدادية الظالمة . الدولة إما طبيعية وهي صالحة ،وإما فاسدة لأنها غير طبيعية .

والفساد ليس الاستيلاء على السلطة من قبل جماعة معينة فقط وإنما اذا تخلت عن واجباتها إزاء الفرد وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية ،التي تفضي الى هشاشة الدولة وهشاشة المجتمع الذي تسودة الاضطرابات وديناميات الاحتجاج والصراعات السياسية والعنف والمحاصصة والعصبوية وعدم قدرة الدولة على التدخل خشية عدم سيطرتها على ضبط الحياة السياسية والاجتماعية والامنية . وهذا الامر يكشف عن مدى ضعف النسيج الاجتماعي وتغول السلطات الاهلية التي أصبحت قوى مناظرة لقوة وسلطة الدولة ،التي مازالت تعاني من أرث سياسي واجتماعي معقد عززته الولادة العسيرة للنظام السياسي بعد الغزوالامريكي الذي شيد نظام سياسي يتكئ على ذلك الارث قبل وبعد رسالة الملك .

قوى سياسية

 مع بزوغ اللاهوت السياسي الطائفي الذي اضحى قوى سياسية تستمد قوتها من خزانها البشري في الريف شديد التمسك والتباهي برابطة الدم والعلاقات القرابية ،بعد بالروابط الايديولوجية المذهبية لتعيد أنتاجهما  من خلال التمثيل في الدولة، مما كرس العصبية لتغدوبيئة مثقلة بالتحديات والخروقات التي يعاني منها المواطن العراقي ،مع ضعف القدرة على المعالجة والتدبير السياسي جراء تصلب الطبقة السياسية في عدم التغيير الجذري مما أدى الى مأسسسة العصبية أي صناعة كيانات مذهبية ودينية وقومية مغلقة مستقلة بمؤسساتها الاعلامية ،التعليمية والاجتماعية ونحوذلك . مما يدحر بناء دولة وطنية حديثة يخضع المجتمع لسلطاتها بالقانون والقوة الشرعية .

ويمنع قيام مجتمع متجانس وهوية وطنية واحدة . وعجز في قيام مشروع سياسي يقوم على الاغلبية التي تشكل الخطوة الاولى في تكوين مجتمع سياسي واحد يرتكز على المواطنة والعدالة ،وقبلها تنمية الوعي الوطني من خلال قادة الرأي والاعلام ،لتعزيز الاندماج المحتمعي وعدم ثلم أوتشويه صورة الدولة في مرحلة انتقالية تتطلب تظافر جهود جميع الجهات التي تنتمي لهذة الارض بعيداَ عن الانتماءات الفرعية والخارجية .

وتأسيس منظمات مجتمع مدني تمثل عموم أبناء المحتمع تقوم على المواطنة ،أي لا تجسد جهة ما ،طائفية ،مناطقية وقومية ،مستقلة عن السلطة وداعمة لبناء مجتمع ودولة وطنية حديثة وفق النظام الديمقراطي ،هذه العوامل وغيرها تشكل بدايات النهوض والارتقاء بالفرد في المجتمعات المتطورة بعيداَ عن الولاءات العصبوية . تلك المؤشرات ينبغي الافادة منها في بناء دولتنا التي مازال عمرها قصيراَ مقارنة مع أعمار الدول المتقدمة .

تعليقات

التنقل السريع