كريم السماوي
ليس هناك من جائزة عالمية بشهرة وأهمية جائزة
نوبل السويدية التي تشمل عدة علوم ومعارف وتشمل الأدب والفيزياء والكيمياء والطب
والسلام والاقتصاد. والجائزة التي بدأت رحلتها سنة 1901 تخليدا لصاحبها ألفريد
نوبل مكتشف الديناميت، لا تزال توزع إلى اليوم وتبلغ قيمتها المادية 10 ملايين
كرون سويدي وهو ما يعادل مليون يورو.
وتبقى جائزة نوبل في الأدب هي الأكثر جدلا من
بين فروعها. وقد ثار حولها كثير من اللغط، واتهمت بالكثير من التهم في مطلعها أنها
مسيسة. ونسلط اليوم الأضواء على روائيين سويديين نجزم بأنهم من مستحقيها، ولكوننا
نعيش في السويد ونتابع الحركة الأدبية والثقافية هنا، وكان هناك ما يحيّر لماذا لم
يمنحوا الجائزة؟! مع أن بعضهم عاش طويلا، بحيث يمكن للأكاديمية السويدية التي تمنح
الجائزة الالتفات إلى وجودهم، ونشاطهم الأدبي والثقافي الطاغي على مستوى السويد
والعالم، والإشادة بذلك حتى من ملك السويد لهم. ولكون الجائزة لا تـُـمنح إلا
للأحياء نشعر بالغصة لعدم نيلهم الجائزة، حيث خلقت هذه القاعدة الكثير من الجدل
أيضا.
فيلهم موبرغ ( 1898 ـ 1973 ) واحد من الذين
استحقوا جائزة نوبل في الأدب، فهو الأكثر شعبية في بلده، وتـُـرجمت أعماله إلى
أكثر من 20 لغة. واهتم موبرغ بتاريخ بلاده في خط موازٍ لاهتمامه بالأدب، وانعكس
اهتمامه بذلك في رواياته التاريخية الثمانية. وتطرق إلى موضوع الهجرة الذي له حضور
وتأثير في ضمير الأمة السويدية، حيث هاجر ربع السكان إلى الولايات المتحدة وشكلوا
غربة دائمة تبلغ اليوم حوالي سبعة ملايين أميركي من أصول سويدية. والأرجح أن
أفكاره وآراءه ثم كتاباته الساخطة حالت دون فوزه بجائزة نوبل، فقد كتب هو عن نفسه
قائلا:" صعب المراس، سريع التأثر، ومتقلب المزاج ". كما إنه عاني من
حاسديه وأعدائه، وخاصة من النازيين الذين حكموا على أعماله بالحرق، ولهذا أيضا عبر
عن ذلك بأنه وسام وأهم جائزة عنده فكتب يقول:" أعلنت رسميا عدواً للرايخ
الثالث، إني أستبدل ذلك بأي جائزة أو وسام شرف ".
أما استريد ليندجرين ( 1907 ـ 2002 ) فقد
عاشت عمرا مديدا بحيث يكفي مع منجزها الأدبي إلى الالتفات إليها ومنحها جائزة نوبل
في الأدب، خاصة وأنها عُرفت بغزارة إنتاجها في كتابة قصص الأطفال حتى أصبحت أشهر
كاتبة عالمية في هذا الميدان، والتي كانت أشهرها سلسلة " بيبي ذات الجوارب
الطويلة " التي تحول معظمها إلى الشاشة الفضية، وبلغت كتبها 80 كتابا، بعضها
للكبار ومسرحيات ونصوص سينمائية، وتـُـرجمت أعمالها إلى أكثر من 80 لغة عالمية،
وبيع من كتبها ما ينوف على 150 مليون نسخة. قال عنها ملك السويد كارل
جوستاف:" لقد عنت استريد ليندجرين الكثير لنا عبر كتاباتها المتفردة، صغارا
وكبارا، ليس في السويد وحدها وإنما في العالم بأسره، فقد كان لحكاياتها أن تسحر
وتذهل كل حواس قرّاءها. عوالم قصصها مليئة ببيئات وأناس يختلفون تماما عن ما هو
موجود في السياق اليومي العادي والمتوقع غالبا. بالنسبة لي ولعائلتي مع استريد
ليندجرين وكذلك في عالم حكاياتها يكون لحظة احتفالية، فجميعنا نود أن نشكر استريد
ليندجرين على أعمالها الشاملة والقيمة ". ورغم أن استريد ليندجرين حازت على
جائزة هانس كريستيان أندرسن العالمية، ورغم أن السويد خصصت جائزة تحمل اسمها في أدب
الأطفال قيمتها حوالي 750 ألف دولار، ووضع اسمها على أكبر مستشفى للأطفال في
ستوكهولم، ورغم أن السويد أصدرت عدة طوابع تحمل صورتها، ورغم أنها في هذه السنة
2017 وضعت صورتها على أصغر عملة ورقية من فئة العشرين كرونا بدلا من صورة سلمى
لاجرلوف الفائزة بجائزة نوبل في الأدب سنة 1909، إلا أننا نشعر بالغصة لأن استريد
رحلت سنة 2002 وعمرها 95 سنة ولم تفز بجائزة نوبل في الأدب.
أما هنينغ مانكل ( 1948 ـ 2015 ) فهو الكاتب
الأقرب روحيا لكاتب هذه السطور، وقد أقمت له مع صديقي الروائي جاسم الولائي أمسية
خاصة في المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم سنة 2013 تحدثنا فيها عن مجمل أعماله
الأدبية ومواقفه الإنسانية. كما ترجمتُ إحدى قصصه القصيرة من اللغة السويدية إلى
العربية بعنوان " زيارة إلى فالاندر " بينما ترجم الولائي روايته "
سر النار " إلى اللغة العربية والتي تستند إلى الواقع وتدور أحداثها في
موزمبيق البلد الذي يعشقه مانكل ويقضي فيه أكثر من نصف السنة، ووزعت في السويد على
طلاب المدارس البالغين 11 عاما مجانا، وساهمت مؤسسة محمد بن راشد الإماراتية
بطباعتها باللغة العربية بالتعاون مع دار المنى السويدية. واشتهر مانكل برواياته
البوليسية فضلا عن كونه مخرجا سينمائيا وكاتبا للقصة والمسرحية، وتحولت العديد من
رواياته إلى أفلام سينمائية، وخلق شخصية كورت فالاندر، وهي شخصية التحري الذكي
الذي يفك ألغاز الجرائم الكبرى والمعقدة وتحاكي شخصية شارلوك هولمز لآرثر كونان أو
شخصية هيركبول بوارو لأجاثا كريستي أو شخصية جول ميغريه لجورج سيمنون. وشارك مانكل
في أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة سنة 2009 وأسر من قِبل الإسرائيليين ثم أطلق
سراحه. وفي يوم وفاته في الخامس من سبتمبر 2015 اتصل بي الإعلامي طالب عبد الأمير
وطلب مني كلمة بحق هذا الروائي المبدع هنينغ مانكل لإذاعة السويد باللغة العربية
فنعيته وقلبي ينزف دما وأدركت يومها أنه لن يفوز بجائزة نوبل التي يستحقها لأنها
لا تمنح إلا للأحياء.
تعليقات
إرسال تعليق