عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية
السياسة فن الممكن، وهي أيضاً المؤسسات والمبادئ التي تحكم بواسطتها المجتمع والعلاقات الخارجية مع الدول الأخرى .
غير إنها تحولت الى فن التبرير في الدفاع عن عدم القدرة على التغيير والاصلاح , ومعالجة المعضلات والقضايا التي تداهم البلد ويعاني منها المواطنين . بخلق المبررات التي حالت دون معالجة ما حصل ويحصل من خطوب وإختراقات لبنية الدولة المجتمع .
تواصل إجتماعي
تلك التبريرات تطلق تحت ذرائع شتى , أسهمت فيها قوى تقليدية ووسائل إعلام وتواصل إجتماعي , لمنتفعين من شخصيات سياسية قفزت الى السلطة , إثر إتفاق المستفيدين من تلك الشخصية التي تصنع زبائنية للموقع السلطوي الذي يمنحها الألقاب مثل زعيم , دولة , فخامة , قائد , ومعالي تسبق أسمائهم حسب الموقع في السلطة , وترفض إزاحتها عند الخروج منها ,بعد أن أصابها الغرور والقناعة بالصفة الى وصلت اليه بالصدفة أو التوافق لأسباب مختلفة , ولا يجب التخلي عنها في كل زمان ومكان , فهي تمنح الوجاهة والحضور المعنوي في المجتمع , وتلتقي مع حاجته الراسخة منذ الصبا أو بواكير الوعي بضرورة السيطرة والتأثير على الأخرين , وعقدة الشيخ أي التماثل مع شخصيته التي تُعد الرأس في هرمية العشيرة التي أخذت تتمدد أعرافها وتقاليدها وأسهمت بترييف المدن التي فقدت قدرتها على إندماج أبناء الريف مع المدينة وجرى العكس , خلاف ما حصل في أوروبا إبان عصر النهضة رغم إنها من (الروابط الأولية) التي ظلت راسخة لقدرتها على التكيف مع متغيرات الواقع بسبب إمتلاكها الخزان البشري وعلاقة الأفراد على أساس الروابط القرابية والحماية والخضوع لرأي الجماعة لذوبان رأي الفرد مع السائد من الأعراف والقيم والأفكار المتفق عليها ويصفها أريك فروم بشكل من الاندماج الرمزي ويفسرها عالم النفس فرويد بتحقيق الاندماج الداخلي لسلطة معينة ، أو نظام ، أو فكرة أو صورة ، فأنا أتملكها كما هي مصانه في داخلي الى الابد .
ويتولد إضافة الى ذلك , إلتحام أفرادها للحفاظ وتعزيز وجودها إزاء التحـولات الاجتماعية والسياسية . فهي (مبدأ تنظيمي يحدد الأطر العامة للعضوية في الجماعة بحسب تراتبية تنظيمية, وهي رابطة موحدة الغرض مبنية على التحالف بقدر ماهي مبنية على النسب والقرابة, وتمثل عقلية عامة مستمدة من الانتماءات والولاءات الوشائجية المنغرسة في أعماق الجماعة ووجدانها) . (خلدون النقيب / بناء المجتمع العربي) .
ذلك التساند والدينامية وإستيعابها لتحولات الواقع دعا الى ضرورة دخولها في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية منحها قوة إضافية , والأخيرة تمتلك قوة السلاح والعنف , وجُل المنتمين اليها بصفة ضابط من ذلك التنظيم الاجتماعي الساعي نحو الحكم.
ومدونات التاريخ القريب على الساحتين العربية والعراقية شهدت إنقلابات مسلحة نفذها قادة في الجيش جذورهم ريفية , أخذت تالياً تتكئ على عشائرهم عند تسلم الحكم . غير إن التطورات الحديثة للانظمة السياسية والانتفاضات قوضت تلك الانقلابات, لتأتي الأحزاب بديلاً للوصول الى السلطة بواسطة الانتخابات مع التغيير في شكل النظام السياسي من دكتاتوري الى ديمقراطي . ليتخذ قادة الأحزاب ذات السلوك باللجوء الى العشائر , لتبادل المصالح بوصفها أحدى القوى التقليدية المؤثرة في المجتمع للحفاظ على السلطة بفضل العصبية وغايتها السلطة مثلما يرى ابن خلدون (أن الملك (أي سلطة) غاية طبيعية للعصبية , ليس وقوعه عنها باختيار , إنما هو بضرورة الوجود وترتيبه) . لذلك عمل قادة الاحزاب على إستمالة شيوخ العشائر لقدرتهم الحقيقية والأفتراضية للافادة منهم في التعبئة الانتخابية فضلاً عن إمتلاك العشائر للسلاح من ناحية ومواجهة التحديات والازمات التي تقفز لتهدد الدولة والطبقة الحاكمة من ناحية أخرى , مما يفرض على تلك الزعامات السياسية العودة ثانيةً الى إنتماءاتهم العشائرية / القبلية لتعزيز السلطة .
دولة حديثة
إن هذا التفكير والسلوك الدائري منح العشائر الاستمرار في البقاء كقوة فاعلة , رغم تعارضها مع بناء الدولة الحديثة والنظام الديمقراطي عبر الانتخابات وحرية التمثيل للدفاع عن مصالح وطنية . لذلك وجد كثيرون أن الانتماء للاحزاب والولاء والخضوع لقادتها طريق يسير للقوة والزعامة التي تكفل له الخلاص من تلك العقدة للحصول على أحد الألقاب التي تمنحها النزعات السلطوية للنظام الجديد , إذ أصبحت العشائر وفقاً للباحث هشام داود منذ التغيير في شكل النظام , الى جانب الأثنية والمذهب و الحزب السياسي كأحد العناصر التي بات العراق يوصف بها على المستويين السسيولوجي والسياسي.
تعليقات
إرسال تعليق