د. وليد النعاس
معالجة صحفية
موضحاً للقارئ جانباً من اسباب الاختيار، أن رسومه(( الساخرة وسيلة تواصل شعبية فاعلة…، وشكل من أشكال انتقاد الاوضاع الاجتماعية والسياسية بأسلوب ساخر وهزلي…، متآلفاً باللون ومنسجماً مع المحتوى)). (خطاب الصورة :١٧) وإذا انتقلنا الى محوره الاول الموسوم (المعالجة الصحفية الساخرة للفساد)، يقدم الباحث عرضاً مكثفاً يستبق اطاره التطبيقي، حين يقف على قضايا لها تماس مع متنه التطبيقي بدءاً من اعادة مفهوم الفن بوصفه رسالة الاعلام الاولى لدى الحضارات القديمة مؤكداً ذلك بقوله (( إن أول نص اعلامي وبشري في التاريخ، حتماً رسوم الانسان البدائي الأول على جدران كهفه المظلم))، وكيف توسلها الانسان في الازمان اللاحقة، وصولا الى درس خصوصية الفن العراقي، وقوفاً على نماذجها وخصائصها الدلالية.
وتمايزاً لبلاد الرافدين عن سواها من الحضارات الاخرى، ثم عابراً منها الى درس( الكاريكاتير في الصحافة العراقية)، موثقاً تلك التجربة الإبداعية في تدويناتها الاولى وطرائق معالجتها، التي ينبغي الوقوف عندها، تآلفاً مع تاريخنا السياسي والثقافي، كاشفاً الجهود الاولى بوصفها وثائق لها مصاديقها في الذاكرة العراقية، وجزءاً لا يتجزء عن التحولات الفكرية التي ربطتها بسياقات اجتماعية، مع ايجاد صلة عضوية بين تلك الخطابات (رسوم الكاريكاتير) وبين ملموسها الواقعي في رسم وتقديم مشاهد من حياتنا في تلك الازمنة، وقد أدى ذلك _على حد قول الباحث_ (( الى جعله ظاهرة مهمة في الصحافة، يلتقي الفنان من خلال صفحاتها مع الجمهور ويحصل على شعبية بواسطتها)).. وبحرفته البحثية ينقلنا إلى موضوعتي خصائص رسم الكاريكاتير والتمثيلات التي تخيرها، والأخيرة هي عماد بنيته التحليلية التي أوقفنا على اشتغالاتها ومكوناتها، خطاباً له مفعوله في الذائقة التي تعاينه، محللاً إياها، ومستخلصاً دلالاتها الاجتماعية والسياسية السمتنبطة من الصورة الكاريكاتيرية لأنها لم تكن رسوماً صماء،
إنما هي لوحات تحكي الألم العراقي _بعد 2003 _بصورة ذكية ساخرة ومؤلمة في الوقت نفسه، وهي تصور قبح فساد احزاب السلطة، وامتدادها القذر في جميع مفاصل الحياة العراقية، من أعلى هرم في السلطة الى مؤسسات الدولة بشتى تفاصيلها، وقوفاً على اساليبها واشخاصها وطرائق فسادها، مشخصة حكايات سرقاتها التي أصبح يمثل ضميرها الجمعي، وقد انزاح الحياء عن رجالاتها، دون أي رادع يردعها. وهنا نسجل للباحث ذكاء في استدعاء تلك التمثيلات (رسوم الكاريكاتير)، حين تخير نماذجها في مدة زمنية مفتوحة لما بعد(٢٠٠٣)، بعنى آخر حضور حسه الاكاديمي الذي يجعل عينات بحثه تتوافق كلياً مع تلك الحقبة السوداء، والتي يمكن أن يطويها النسيان أو يتغافل عنها المؤرخون، فكانت اختيارات الباحث (عدنان سمير دهيرب) غير اعتباطية إنما مقصودة لذاتها، وبحسب قوله: (( تلك الصور التي اختزلت مرحلة مهمة من تاريخ العراق المعاصر)) عند الفساد و المفسدين. وبذات الغنى المضموني جاء محوره الثاني الموسوم( المعالجة الصحفية الساخرة لحرية التعبير والرأي) فثمة كشف ممتع في خطاب الكاريكاتير وهو يعري البيئة السياسية في قضية حرية الرأي، كاشفة احباط المجتمع العراقي على مستويي المشاعر والوجدان في الخروج من نظام شمولي (قبل ٢٠٠٣) إلى آخر يعيد استنساخ النظام السابق _في تكميم الافواه _ حضوراً جديداً بملامح القديم لكن بطرائق أخرى، فكانت رسوم الكاريكاتير تمثيلات تلامس ذهنية الفرد العراقي وتصوراته إزاء زيف احزاب السلطة، وقد تقصد الباحث (عدنان سمير دهيرب) تمهيداً يستبق تمثيلات متنه، وقوفا على جذور الصورة الفنية في العراق، والكاريكاتير في الصحافة، وخطاب الصورة بوصفها إطاراً نظرياً عند فضاء من الكاريكاتير، وبالكيفية نفسها في ملامسة حرية التعبير والرأي، خطوطاً حمراء لأحزاب السلطة، وعلى حد قول الباحث، انهم صاغوا قوانين(( ومواد عقابية جديدة تعطي الحق…، منع أي اجتماع أو تظاهرة سلمية…، وعقوبات مالية وبدنية…، تمنح المسؤولين في الحكومة الحق تحت غطاء القانون، بمنع حرية التعبير للمواطن وسلب ارادته، باخفاء مصطلحات عقابية تعود بالشعب الى حقب الدكتاتورية والاستبداد)) (خطاب الصورة: 64)، وما يميز هذه الدراسة، انها لم تلتزم بهويات أثنيه أو عرقية أو نحو ذلك.
إنما تقصدت تجاوزها، الى رؤية موحدة عن وجع العراقيين مع أحزاب السلطة، وكشف فسادها وزيفها ضمن خطاب الصورة، تحليلا ضمن ارتباطه بالواقع المعيش مآس وعذابات في عراق ما بعد 2003.
تعليقات
إرسال تعليق