القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية




أساليب و لغة السجون تشبه أساليب الطغاة اللذين تتوفر لديهم السلطة و السلاح و المال لصناعة القطيع و سلب الارادة و الرغبة بالهيمنة . باستخدام  التضليل تارة و إرتكاب التغذيب الجسدي و النفسي تارة أخرى .و الطغيان  لا يقترن بالساسة و إنما في الجانب الاجتماعي منذ زمن الاقطاع الذي يتسم بالعنجهية و الغرور و الجهل الذي مازالت بقاياه سائدة طالما توفرت الادوات الداعمة لسطوته , و لكن بأشكال متباينة .

و لغة السجون تقوم على العزل و الوحدة و التدمير النفسي الذي يفضي الى ضمور الإرادة , و سلب الحرية التي تُعد جوهر وجود الانسان , و محدودية التفكير و ضآلة حاجات الفرد و التملق و الخوف من السجان الذي ينفذ الأوامر المؤسساتية , و رغباته الكامنة في السيطرة و الهيمنة على الآخرين التي يمارسها الانسان إزاء الآخر كلما توفرت الفرصة السانحة .

و رائحة السجون تشبه حقول الدواجن , لأن بيئتها القذرة تقترب مع ما تفرزه فتحات و مسامات جسم الانسان , و تمتاز في التجربة و الأحاسيس و المشاعر كالذي يخوض الحرب , فهي جزء إستثنائي من عمر الانسان لا يمكن تغافله . يفقد فيه الكثير من السلوك الطبيعي , و يخضع لعلاقات إجتماعية مفروضة مع أفراد حكاياتهم مختلفة تلزم السجين على التطبع مع واقع لايشبه الحياة خارج جدران المكان المنسي الذي يأوي جماعات تحولت بمرور الأيام ألى أشياء تتحرك و تتصرف وفق أوامر صارمة . غير أن سجن الخناق في السماوة يضيف الى معاناة السجناء واقعاً مريراً يتمثل بالبناء القديم الذي تتسلل الى أرضيته و جدرانه الرطوبة مما يتسبب بالاصابة بأمراض صدرية و الجرب  , و حجمه الذي لا يتناسب مع عدد السجناء , إذ يتسع لـ 250-300 سجين فيما يبلغ عدد الموجودين بحدود الألف يزيد العدد أحياناً وينخفض في أحايين أخرى , و أغلبهم متهمين بتجارة أو تعاطي المخدرات , لذلك يحدد لكل سجين مساحة لا تتجاوز 30 سم عرض و تزيد او تقل بضع سنتمترات مع العدد المتغير .

بناية قديمة

و الخناق بناية قديمة حتى أن مركز السماوة في العهد العثماني يسمى بالخناق تميزاُ له عن الضواحي و الأرياف التابعة له بوصفه مركز قضاء , و ظل يسمى كذلك في سجلات التسجيل العقاري حتى وقت قريب شاملاً مناطق الشرقي و الغربي و تحديداً من شارع الجسر الى (آل مصيوي) أي المدينة المسورة . و تسمية الخناق مأخوذة سجن الخناق . إذ كانت هناك سبعة قلاع تعود الى (آل محسن) إبان سيطرة شيخهم الأقطاعي سعدون على العشائر في العهد العثماني بعد وفاة والده عام 1834م . و قلعة الخناق لا تزال آثارها باقية على يمين الفرات شمالي السماوة . و يقال سميت بالخناق لأن سعدون كان قد أتخذها سجن لمن يخرج عليه من أتباعه و كان الذي يسجن فيها مصيره الموت خنقاً , و الى هذه القلعة تنسب ناحية الخناق الواقعة حالياً في القشلة و المناطق القريبة كالسوير الى قضاء السماوة .

و قد شيد مبنى السجن الذي مازال قائماً في عام 1937 رشيد الصوفي قائمقام السماوة آنذاك في منطقة القشلة (الصوب الصغير) بعيداً عن الصوب الكبير الذي يشهد بين الحين و الاخر معارك و قلاقل بين أهالي المنطقتين الشرقي التي يسيطر عليها آل سيد طفار و الغربي رباط السلمان .

و سجن السماوة المركزي أو الخناق يضم 12 قاعة بمساحة 20م2 و في كل واحدة 35 سجين فيما القاعة الكبيرة تبلغ مساحتها حوالي 50م2 (ويكدس) فيها 130 سجين أي أن لكل سجين (مساحة كاشية و أربعة أصابع) . و توجد أيضاً قاعة و احدة للنساء .

و هذا السجن يتبع دائرة الاصلاح . و أعتقد أن هذا المكان ليس لاصلاح السجين بل لزرع الاحباط و تدمير الارادة و تحويل الانسان الى شيء يتحرك جسدياً مقموعاً فاقداً  للامل . ما يتوجب بناء الارض التي تم تخصيصها عام 2014 على طريق المملحة غربي السماوة كسجن مركزي و البالغة مساحتها ألف دونم . و تشغيل السجناء و تعليمهم المهن المفيدة و الإفادة من طاقاتهم الكامنة بأدخالهم دورات مهنية تسهم في الانتاج بدلاً من الاستمرار في الخطأ و ربما الوقوع في أخطاء إضافية يتعلمها من متهمين بجرائم أخرى .

تعليقات

التنقل السريع