القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

المطلق و حدود حرية التعبير

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




لم يزل حق حرية التعبير عن الرأي في الانظمة الديمقراطية الليبرالية يشكل أحد القيم التي يتوجب حمايتها و رعايتها، لولادتها العسيرة بعد ثورات وكفاح عدد كبير من المفكرين و الفلاسفة منذ عصر الانوار . تمخضت عن صدور عدد من النظريات التي تعالج صراع السلطات والقوى المتنفذة مع المجتمع من أبرزها الحق المطلق , الرجوع الى التاريخ , والتوازن , التي تتناول قضية حرية التعبير بوصفه حق يتمسك به الفرد , وفرض تشريعات تؤمن له حرية التفكير والكلام والسلوك لتحقيق غايات في المشاركة السياسية وصياغة المستقبل .

وتشير دراسة رودني أ . سموللا (حرية التعبير في مجتمع مفتوح ) الى أن حماية حرية الكلام  لا يمكن أبداً أن تكون بحق (مطلقة) …وان التاريخ لن يقدم لنا حلولاً واضحة لمعظم قضايا حرية التعبير .. وأن قضية فرض حماية قصوى لحرية الكلام تعتبر شيئاً مثيراً للغاية . وأن رسم نظام متماسك لحرية الكلام يجب أن يتضمن سلسلة من الوسائل المبتكرة أصلاً لوضع الكلام في منزلة مفضلة تبين القيم الاجتماعية للنظام .

صدور تشريعات

إذ أن حرية التعبير عن الرأي التي بزغت و أصبحت سائدة قبل سبعة عقود لم تكن على أساس (القول ما تشاء ) لأن للكلمة تأثير الفعل وربما أكثر . لذلك صدرت تشريعات وقوانين تمنع الخطاب والسلوك الذي يشير الى الكراهية والعنصرية والرموز كالعلم , والعداء إزاء الآخر الذي يؤدي الى الاقتتال والنزاعات وتخريب السلم المجتمعي بسبب التطرف والعصبية التي تحملها مجموعات يمينية , أو أغلبية مذهبية أو عرقية لإهانة أقلية إثنية لها حقوق وعليها واجبات وفق القانون السائد في البلد .

 وأذا كانت المساواة القيمة الثانية في النظام الديمقراطية , فأن معيارها يتدنى بفعل العاملين السياسي والديني . فقد ذكرت مدونات تاريخية أن المؤرخ الانكليزي دايفيد إيرفنغ حُكم في النمسا ثلاث سنوات لتشكيكه في وجود مجازر جماعية ألمانية بحق اليهود ولأنه نفى وجود أفران غاز في معتقل أوشفينز . وفي فرنسا تمكن الاساقطة عبر القضاء من منع دعاية منسوخة عن لوحة (العشاء السري) لليوناردو دي فينشي لأنها أعتبرت مسيئة لمشاعر المسحيين كونها تتهكم على صورة السيد المسيح , في ذلك العام 2006 الذي طبق فيه القانون في الواقعتين نشرت الرسوم الكاريكاتيرية التي تسيئ الى النبي محمد والاسلام في صحيفة ( يولاند بوستن ) الدنماركية . غير أن القانون الذي يحدد حرية التعبير لم يطبق , وكان نتيجة تلك الرسوم مقتل 139 إنسان في أماكن ودول مختلفة فضلاً عن الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدتها معظم البلدان الاسلامية . وتكرر ذات الفعل في صحيفة (شارلي إبدو) الفرنسية التي نشرت رسوماً تسيئ الى النبي محمد (ص) وأدت الى وقوع قتلى وجرحى . وفي هذا الشهر منحت السلطات السويدية للمرة الثانية السماح بحرق نسخة من القرآن والعلم العراقي ,وهو تجاوز فاضح على كتاب مقدس ورمز-العلم- لوحدة الشعب العراقي وأدى ذلك الفعل الى حرق السفارة السويدية في بغداد وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين .

ليتكرر ذات الفعل من جماعة يمينية متطرفة في الدنمارك وما بين الافعال الاولى , قبل أكثر من عقد ونصف والافعال الاخيرة نشرت مقالات وتقارير صحفية وبرامج إذاعية ومحتوى غارق بالكراهية على شبكة الانترنيت وصدور كتب تشير الى ظلامية الدين الاسلامي , وضرورة تنوير المهاجرين وعموم المسلمين المناوئين للحداثة تحت يافطة حرية التعبير , تلك الافكار المنشورة فاقمت العداء والتعصب . وأشاعت خطاب الكراهية ومخالفة قيم التسامح والسلام الديني والاجتماعي . لأن الاساءة الى المقدسات والمعتقدات بأساليب التشهير لا تنتج الاقناع بقدر ما تفضي الى تلوث الفضاء العام .

إن هذه السلوكيات لا تشير الى حرية التعبير وإنما لتفتيشها عن الاستفزار مثلما يقول أحد الرسامين في الصحيفة الدنماركية . و أستمرار الاستفزاز يوقظ التعصب ويدعو الحركات الاصولية الى تنفيذ عمليات إرهابية عانى منها المسلمون قبل غيرهم . وينعش خطاب التطرف ويمزق السلم الاهلي . فيما يتم توظيف المشاعر النبيلة لدى الجمهور لأغراض سياسية و مصالح إنتهازية . وما بين الحرية والفوضى برزخا غير مرئي , وأخرى تتحدى القيم الاجتماعية التي يؤمن بها الناس . لذلك يرى المفكر تزفيتان  تودوروف أن وسائل الاعلام , ودون أن تكون سلطتها مستمدة من الارادة الشعبية تؤثر في الرأي العام بشكل قاطع . فلكي تكتسب مشروعية ديمقراطية هناك طريق واحد أمامها , يتمثل في فرض حدود على ذاتها . إن الحرية اللامحدودة تقتل الحرية .

تعليقات

التنقل السريع