القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الحرق .. التشويش وحرية التعبير

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية





تحظى حرية التعبير عن الرأي بأهمية بالغة في الدول المتقدمة أو النظم الديمقراطية العريقة ،  و تحسب هذا الحق من الأولويات بوصفه أحد أهم ركائز الديمقراطية و قيمة عليا تقترن بالانسان.و تحفظ مدونات التاريخ أشكالاً من صور التعذيب و الاعتقال و القتل والنفي لعدد كبير من المفكرين والفلاسفة و الادباء و الصحفيين والفنانين الذين تحدوا السلطات والقوى السياسية و التقليدية التي تسن القوانين و تصدر القرارات والفتاوى التي تطوق أو تقمع الافراد والمجتمعات التي تهيمن عليها بأشكال و أساليب متعددة .

و هذا الصراع ما برح قائماً في الدول و الانظمة الدكتاتورية و الثيوقراطية . فيما أصبح في المجتمعات الاوربية والولايات المتحدة الامريكية أحد أهم الغايات المبجلة لدى الدولة و الافراد الذين يتوجب عليهم الحفاظ على هذا الحق ،  على أن لايؤدي الى العنف والتجاوز على حقوق الاخرين لاسيما الاقليات في المجتمع الذي ينماز بالتنوع و التعدد الاثني والعرقي والمذهبي ،  إضافة الى تقييد خطاب الكراهية و العنصرية و التعصب.

هذا المتغير والدعوة الجامحة لحرية التعبير عن الرأي بزغ في تلك المجتمعات عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية .بعد قرون من التنكيل والبشاعة ضد المفكرين و الناشرين . وحرق الكتب كوسيلة لتطهير العقول والنفوس من شرور تلك الافكار التي تحملها الكتب التي لا تنسجم مع سياسة الملك و الامبراطور وتعاليم الكنيسة و لا تقتصر تلك السياسة على الدول الاوربية و إنما في دول عديدة من قارات العالم مختلفة الأديان و الانظمة السياسية التي تحكم الشعوب ،  التي لم تزل كثير منها يعاني من الكبت و القمع والاعتقال و الاغتيال تحت ذرائع شتى . وتتجلى تلك الصور في دول تحمل دساتيرها مبادئ الحرية والمساواة و العدالة غير أن تلك المفردات فاقدة المعاني والمضامين لأسباب أيديولوجية و عرقية و طائفية راسخة ،  وتدخلات دولية ترى في ديناميتها ضرورة تلتقي مع مصالحها.

قضايا جانبية

إذ أن إشاعة خطاب الكراهية والتعصب يفضي الى الانقسام والصراع بين مكونات المجتمع ،  و هو أسلوب أعتمدته الدول الامبريالية الغازية لمناطق وقعت تحت نفوذها بهدف تمزيق هويتها الوطنية وإشغالها في قضايا جانبية لا علاقة لها بالتنمية و الارتقاء بالدولة والمجتمع . و يتجسد ذلك في العراق بعد الاحتلال الامريكي ،  و تطبيق صفحات التخريب و التدمير على مراحل تلتقي مع خريطة او واقع ،  بدأ بحرث الخلافات العقائدية و العرقية والدينية المتراكمة التي كانت فرصة سانحة لانفجارها بهدف محو هويته الوطنية و الحضارية ،  بأيقاد جذوة العنف الطائفي و السماح بدخول العناصر الاجرامية المتطرفة بذريعة إصطيادها و حصرها في العراق ،  وإشغال الدولة و المجتمع بحروب طفيلية لإستنزاف أموال البلد ،  وتحطيم قيم المجتمع.

تلك المراحل او الخطط الامريكية نفذت بالتنسيق مع دول أقليمية تلتقي مع مصالحها ،  و تقدم بضاعتها التي تسهم في عملية تدمير و تفكيك الشعب الذي ما برح يعاني الفقر والبطالة و التخلف . بوصفها نتائج لصفحات الصراع الدموي و الحروب و الخلافات ،  و قوى سياسية تواطأت مع تلك التدخلات الخارجية ،  ووجدت في البيئة المضطربة فرصة سانحة لترسيخ أيديولوجيتها و تمسكها بالسلطة التي طالما عانت من الظمأ الى مغانمها .ان تسويق بضاعة تلك الدول مع تراخي إرادة الدولة أستمر في عملية تحطيم قيم المجتمع ،  بضخ كميات من المخدرات ،  فقد كشفت مصادر أمنية و إعلامية عن أرتفاع نسبة كمية تلك المخدرات بأنواعها المختلفة بعد عمليات تحرير المدن من عصابات داعش عام  2017 والسنوات التالية ،  فقد أتلفت وزارة الصحة نهاية عام 2022 كمية من المخدرات جمعتها منذ عام 2009 بلغت خمسة أطنان و 900 كغم و 54 مليون حبة مخدرة . وخلال الاشهر الستة الاولى من عام 2003 القت الاجهزة الامنية القبض على سبعة الاف و 715 تاجراً و متعاطياً للمخدرات و ضبط تسعة ملايين حبة كبتاجون.

أرض السواد

و بهدف تحقيق صفحات التخريب الخارجي قطعت المياه كي يتحول بلاد ما بين النهرين وأرض السواد الى بلاد السواقي و الارض اليباب.

في ما أنشغل الداخل بأستشراء الفساد و الامية و الغيبيات و خطاب الكراهية في وسائل الاعلام والتواصل الاعلامي و الاجتماعي مع كل أزمة سياسية و إجتماعية تحت غطاء حرية التعبير عن الرأي مع غياب القانون الأشكالي المعطل في البرلمان منذ عام 2011. و هذا الحق رغم أهميته القصوى في النظام الديمقراطي ،  غير أنه يصبح وسيلة لتدمير و قتل الشعوب المنقسمة إثنيا و سياسياً و هو أيضاً وسيلة لنشر الكراهية و إيقاظ شهوة التطرف والتعصب و ربما الصراع بين الاديان ،  إذا ما استغل ضد ديانة و معتقد . وهذا الفعل حصل في اول أيام عيد الاضحى ، حين سمحت السلطات السويدية بحرق نسخة من القران الكريم و هو الكتاب الألهي المقدس لأكثر من ملياري مسلم . أمام مسجد ستوكهولم بحجة حرية التعبير ، ما خلق حالة من الغضب والبغضاء إزاء بلد أتسم بالتسامح وحقوق الانسان والأقليات . وهذا الأمر يشير الى تناقض المبادئ الدستورية للبلد حول أحترام الاديان و المعتقدات ،  ويكشف عن صورة مشوهة لحرية التعبير . وثمة حدث آخر فقد شهدت رواندا مثلاً حرب أهلية وقعت عام 1994 وقتل فيها خلال مئة يوم من التوتسي 800 ألف شخص قام بها مدنيون وجنود ومليشيات من الهوتو . وكانت محطة RTLM أختصاراً لاذاعة الهوتو تبت خطاب الكراهية ضد التوتسي و تدعو الى (حرب للقضاء نهائياً للصراصير) وتزود المستمعين بأسماء و عناوين ،  بل و حتى بأرقام لوحات سيارات أبناء التوتسي المستهدفين . و وصفت الكاتبة و سفيرة الولايات المتحدة الامريكية لاحقاً الى الامم المتحدة سامانثا باور برامج المحطة المذكورة بأنها (أداة رئيسة للإبادة العرقية ) حمل القتلة المناجل بيد ،  وراديوهات مضبوطة على موجة RTLM باليد الاخرى .أمريكا فكرت بالتشويش على بث الاذاعة آملين بأن يعرقل ذلك طوفان المجازر،  لكنهم لم ينفذوا ذلك ((التشويش على المحطة خضع للنقاش)) أعلنت سامانثا باور ((لكن الرد الذي تلقيناه كان سننتهك حرية التعبير إن قمنا بالتشويش على راديو الكراهية )) إريك بركويتز (أفكار خطرة).هكذا يتم التلاعب بالألفاظ والمصطلحات و المعاني وفق سياسة إعلامية تسوق لمجتمعات تكابد من تضليل الخارج و تخلف الداخل الغارق بالاستبداد و الامراض الاجتماعية . كي تضيع الحقيقة في مستنقع التعصب والجهل والصراعات و يترسخ التطرف والثأر و فقدان الحياة المستقرة وسط أنهار من الدماء بذريعة حماية حرية التعبير المشحونة بالخبث والخطاب المؤذي .

و بصيغة أخرى أذا كان التسامح والمحبة أحد مبادئ المجتمعات الغربية . لماذا تسلب حياة الناس و كرامتهم في المجتمعات الاخرى ؟ أم أن عدم التشويش و صناعة الحروب الطفيلية و النزاعات البينية هو الشراب الذي يجب أن تثمل منه الشعوب .

تعليقات

التنقل السريع