عدنان سمير دهيرب/ نقلا عن جريدة الزمان الدولية
يقترن قسم من الثقافة المادية بشكل النظام السياسي أو الحكومة – ديمقراطية , ملكية , أوتوقراطية – و أثره يبدأ من رأس الهرم في السلطة , بهدف إشاعة نموذج مادي جديد يلغي النموذج السائد الذي رافق النظام السابق . بأعتماد السلطة رموزاً و إشارات غير لفظية للإيحاء و الاستمالة و التأثير على الجمهور كي يتماهى مع الخطاب الجديد.
و قد تجلى ذلك قبل تأسيس الدولة العراقية و لغاية اللحظة . و التبدل في الثقافة المادية و إطلاق أسماء و ألقاب على أفراد تسنمو مواقع حكومية أو تقدموا في التراتبية الاجتماعية .
ففي العهد العثماني كان الطربوش و السلطان و الوالي و أسماء أخرى تقترن بالموظف الحكومي . و في العهد الملكي ظهرت السدارة و الجلالة و الباشا و المعالي , لتسود ثقافة و أسماء ثانية , و عند إزاحة النظام الملكي أنتشرت ألقاب أخرى مع قيام النظام الجمهوري , الرئيس , الزعيم , السعادة مع إستمرار قسم من الألقاب السابقة و إضافة أخرى مع الانقلابات و الازاحات السياسية التي وقعت في البلد , كالأب القائد , القائد الضرورة , قائد النصر و التحرير القومي و نحو ذلك من ألقاب تجاوزت أسماء الله الحسنى. و عند تحول النظام السياسي من أوتوقراطي الى ديمقراطي سادت ألقاب صاغها الأتباع أو الموالين لقادة الاحزاب السياسية التي تسيدت المشهد السياسي . مع تضخم المناصب و الظمأ اليها و التمسك بها , إذ تعددت الألقاب و أذا كان ثمة رئيس أو زعيم واحد , أصبح لدينا رؤوساء , زعماء , قادة , معالي , مجاهدون , سماحة , فضيلة , سعادة ,شيوخ, حجاج ,و سادة و قبل كل لقب إضافة سيدنا و جناب و مولاي , مع إضفاء أوهام القدسية لقسم غير قليل منهم . في ما تشي لغة الجسد عند حديث الادنى للمسؤول الاعلى بحركات مثل غض البصر و إنحناء الرأس أو الجسد و تشابك اليدين تعبيراً عن الخنوع و الطاعة . و هذه الألقاب يطلقها المقربون جداً , ليغدوا اللقب بعد حين لدى القواعد الشعبية مقترن بذلك الشخص , و هي وسيلة أستخدمتها كل الانظمة المستبدة . و هذا الفن بأطلاق الألقاب , و الابداع باللغة لا يأتي تعبيراً عن الحب و الايمان به , و أنما تجسيداً للخضوع و الانحناء الذي رسخ الحق بالقيادة و أفضى الى صناعته صنماً يسعى الى الهيمنة على أتباع و جماعات أطلقوا ألقاباً لا تحمل المعنى الحقيقي , بهدف الرضا و التملق و الخوف للحصول على مكاسب و أموال يغدقها (حامل اللقب) . إذ أن هؤلاء وجدوا أن السلطة و مغانمها لا تأتي بالكفاءة و الصدق و الاخلاص و إنما بالولاءات وفق عصبيات دون وطنية قائمة على الحزبية و الطائفية و المدينية و القبلية و القرابية , من ناحية و معرفتهم أن حامل اللقب في الاصل وصل عفوياً او صدفة أو ظرف طارئ أشتثمره ليرتقي أعلى ترتيب هرمي وجد فيه وسيلة للتحكم بمناطق النفوذ سواء بالايديولوجيا او العنف او المال و أحياناً بكل الادوات لسلب إرادة الفرد و الجماعة , و الحفاظ على المرتبة السياسية و الاجتماعية و السمعة التي أكتسبها من ناحية اخرى. و أذا ما حاولت جماعة التمرد , و إعلان التغيير أو المطالبة بوطن فأن مصيرها القمع لايصال رسالة تحمل محتوى التهديد و ذات المصير لكل الرافضين بشكل النهاية , أو التزام الصمت و تعلم مفردات الولاء و الطاعة . لأن حامل اللقب يعلم أذا ما تغلبت جماعات التمرد و تمدد رفضها , فأن نهايته مفجعة تشبة نهاية كل الذين حكموا العراق . وهذه العلاقة الملتبسة مازالت قائمة رغم ان الجميع يطلق عليهم (مواطنين من خلال المشاركة في السلطة السياسية و رعايا لخضوعهم لقوانين الدولة) وفق رأي جان جاك روسو.
بيد أن غياب العدالة الاجتماعية أفضى الى تراجع المواطنة و الرعايا خضعوا لحاملي الالقاب و ليس للقوانين .
تعليقات
إرسال تعليق