القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب/ نقلاً عن جريدة الزمان الدولية




 

سلوك و أفعال الافراد و الانظمة يؤكد فرضية ميل البشرية الى العنف المستشري في المجتمعات  و أشكال النظم السياسية في شتى المجتمعات و الدول . و تؤكد مدونات التاريخ طغيان العنف في كل المراحل , إذ تتغلب وسائل القسوة على الوسائل الاخرى لدوافع تتعلق بالمصالح و ترويض المجتمع , و الرغبة بأستخدامها حين تتوفر فرص إستخدام القوة إزاء الاخرين ,أو إمتلاك  السلطة بهدف الهيمنة و تحقيق غايات بوسائل عنيفة و لا عنيفة متعددة , مضمرة او معلنة , بالايحاء او التهديد المادي و اللفظي .

أن أشكال العنف تبدأ من الاسرة – الزوجة و الاطفال- الاعتداءات في الشارع , النزاعات بين التجمعات السكانية و العشائرية , الاغتيالات السياسية , التفجيرات ,المسيرات , قمع الحريات للافراد و المظاهرات باستخدام الرصاص المطاطي و الحي للترهيب و القتل لتنتهي بالقنابل و الدبابات و الصواريخ و غيرها من الاسلحة التي تتسابق الدول في صناعتها  لتدمير الخصوم.

ويشير التقرير العالمي الاول حول العنف الى ان معاناة ما يزيد عن 1,6 مليون أنسان من موت عنيف سنوياً , و بمعدل وسطي يُقتل 1,400 إنسان يومياً و يقتل 35 إنسان كل ساعة تقريباً جراء نزاع مسلح , فقد تعرضت ربع نساء العالم لعنف جنسي على يدي ((شريك حميم)) و تعود أسباب العنف الى عوامل ذاتية و موضوعية تتعلق بالافراد و الو اقع الذي يغدوا دافعاً للارتكاب و القتل , تلك المتعلقة بالجهل و الفقر و المخدرات و ضعف السلطة و نحو ذلك .

و يعرف جون كين .. العنف هو التدخل البدني لمجموعات او افراد بأجساد الاخرين تدخلاً مباشراً و مقصوداً غير مرغوب فيه , الأمر الذي يسبب لهم المعاناة من جملة التأثير : تبدأ بالصدمة , و الصمت و العذاب الذهني , الكوابيس و الكدمات و الخدوش و الاورام او أوجاع الرأس و تنتهي بعظام مكسرة و نوبات قلبية و فقد اجزاء من الجسم او الموت .

انواع العنف

و في العراق فقد شهد خلال العقود المنصرمة شتى انواع العنف المفرط من السلطات سواء النظام الاستبدادي او الديمقراطي و ما بينهما قوات الاحتلال الامريكي التي أشترت 1,500,000,000 رصاصة للاستخدام يساوي هذا 58 رصاصة لكل طفل و بالغ عراقي . في ما أطلقت خلال الحرب 127 طناً من ذخائر اليورانيوم المنضب في العراق وهذا يكافئ ذرياً ما يقارب عشرة الاف قنبلة مثل قنبلة ناكازاكي(اليوت وينبرغ , ما سمعته عن العراق) إضاف للعنف المسلح الذي أستخدم من قبل المرتزقة و الشركات الامنية بحق السكان المدنيين , في ما تنشر وسائل الاعلام الامريكية صور لجنود امريكيين مع مدنيين عراقيين او صورة لجندي يداعب طفل عراقي , كان جندي اخر من قتل و الديه – دون الاشارة لذلك – وهي رسالة لتضليل الرأي العام . و تأكيد ان القوات الامريكية جاء لتحرير الشعب العراقي من الممارسات العنيفة التي كان يستخدمها النظام الاستبدادي الذي قمع الشعب وساقه الى حروب عبثية أنتجت دماراً مادياً و نفسياً مازالت اثارها قائمة على الاجيال التي عاشت تلك المرحلة . التي تتصف بأمن الشوارع و رهبة جرس الباب و تلك صفة الانظمة الدكتاتورية , اما في ظل الديمقراطية , فقد تكون الشوارع غير آمنة بعد حلول الظلام , الا أن الزائر الاكثر إحتمالاً في الساعات الاولى من الصباح سيكون بائع الحليب مثلما يرى آدم ميخنيك.

غير ان الساعات الاولى و الشهور و عقدين مضت من ديمقراطيتنا المعلبة او المستوردة , كانت أزمات و صراعات و نزاعات و مفخخات و عبوات و مسيرات وإغتيالات تطرق أبوابنا و تقتحم و اقعنا الغارق بالعنف تحت عناوين و شعارات شتى .بدأت بالامريكان الذين فتحوا الابواب و النوافذ و حطموا الأسوار لتجتاح البلد أسراب من القتلة و المجرمين تحت أسماء القاعدة و داعش لتستكمل عملية التدمير و إشاعة القتل الجماعي و الفردي و ترسيخ العنف الذي يتمدد داخل مجتمع أصابه التفكك لاسباب مذهبية و دينية و قومية و وسائل إعلام معظمها يكرس خطاب الكراهية و يقدم أخبار القتل و الصراعات لإشاعة اليأس و القلق و الاحباط التي تنتج العنف و الاضطراب في مجتمع,  يعاني من آثار الحروب و التخلف و الامراض الاجتماعية . إذ يؤكد النشر المستمر لأخبارالعنف مصداقية فرضية ميول الناس الى العنف دون الاسهام بمعالجتها , و إشهار دينامية الصراع و الازمات لتحقيق دوافع أخرى ربما يكون أحدها الترويج للارهاب و البشاعات التي تستخدم ضد السكان .

أن العنف المستشري يناقض الديمقراطية السياسية التي تتسم بالحرية و المواطنة و المساواة بين أبناء الشعب الذي يكابد التحديات اليومية بفعل الانقسام الثقافي والايديولوجي , و أحزاب تسعى للأستئثار بالسلطة و المال من خلال الازاحة القانونية او بالبنادق والتهديد المسلح الذي يفضي الى الخوف و الرعب الذي ينتهي بالتقزيم او القتل .وأذا كان طرق ابواب الديمقراطية قد بدأ بالحرب ثم قيام الحرب الاهلية فأن الحرب غير الاهلية أخذت تطرق أبوابنا جراء تفشي السلاح المنفلت و غير المنفلت ,  بمعنى قيام جماعات مسلحة بسلب إحتكار قوة الدولة المسلحة و فرضها للقانون بأدواتها –الجيش , الشرطة و المحاكم – التي من خلالها ينشر الامن و ضبط السلم المجتمعي .وقد تجسدت الحرب غير الاهلية في الصراع المسلح الذي حصل يوم 30 آب في المنطقة الخضراء وراح ضحيته 45 مواطناً و مئات الجرحى و سقوط الصواريخ يومي 28-29 آيلول على ذات المنطقة واستخدام العنف الذي أفضى الى جرح 133 مواطناً بين الاجهزة الامنية و المحتجين إثر عقد جلسة البرلمان لتجديد الثقة لرئيسه , وكذلك سقوط الصواريخ على القصور الرئاسية في البصرة يوم 3 تشرين الاول وشهد في اليوم التالي صدام مسلح في ذات المدينة و سقوط تسعة صواريخ كاتيوشا في محيط المنطقة الخضراء يوم 13 تشرين الاول بمناسبة انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان بعد تعطيل استمر لمدة سنة و ثلاثة ايام.ان استمرارالتهديد بالعنف افقدنا الفرحة بالخلاص من رهبة جرس الباب و عوتها بأشكال أخرى .و أشاع الاحباط في مجتمع غير مدني (أي نوع من نظام إجتماعي مزقته الاشكال المتطرفة من العنف ) فقد أطلت النزاعات المسلحة و انتشرت جرائم القتل , إذ كشفت دائرة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة عن إرتفاع معدلات الجريمة ففي خلال عام 2019 بلغت أربعة الاف و 180 جريمة و في عام 2020 بلغت أربعة الاف و 700 جريمة قتل في ما أستلمت أكثر من 700 جثة خلال شهر آب الماضي 71% من المجني عليهم من الذكور و 29% من الأناث و هذه الارقام تشير الى أقصى أشكال العنف الذي أخذ يتفشى في المجتمع العراقي و هي حالات جنائية غير الحالات الاخرى المتعلقة بالعنف السياسي و الاسرى ,

انقاذ الاطفال

فضلاً عن تعنيف الاقليات كالأيزيديين إذ أشار تقرير لمنظمة (أنقذوا الاطفال) البريطانية أن نصف الايزيديين الذي تم أعدامهم كانوا من الاطفال في ما أجبروا الاطفال على مشاهدة أفعال التعذيب و الاغتصاب  لأفراد عائلاتهم . ما ولد مشاعر الخوف و الاغتصاب النفسي التي ما زالت ترافقهم رغم مضي ثمانية أعوام على الجرائم البشعة التي أرتكبت بحقهم , ومازال العنف يكتفنهم بأشكال مختلفة .أن إزالة شبح العنف و الخوف و إزاحة القلق و إشاعة السلام و الاطمئنان , يتوجب تفعيل القوانين و مؤازرة مؤسسات الدولة لحماية حرية الافراد بوصفها تحتكر العنف شرعياً و تعزيز الهوية الوطنية , و القضاء على السلاح المنفلت و غير المنفلت , و معالجة البطالة , و السيطرة على النزاعات غير الاهلية , و تشديد العقوبة على تجار المخدرات , و دعم منظمات المجتمع المدني و إشاعة الحوار و احترام الرأي الآخر و العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية التي تؤمن الكرامة الانسانية , و السعي لبناء مجتمع متمدن بنشر ثقافة التسامح و التضامن و عدم حرث الذنوب , و قبلها معرفة دوافع إرتكاب العنف . فضلاً عن تأسيس هيئة من المختصين ترصد و تحلل علمياً الاسباب و سبل ترويض نزعات العنف و الاسهام في معالجتها . أذ أن الارهاب و العنف لا يداهم المجتمعات بغتة ً و إنما يأتي نتيجة لعوامل ثقافية و اقتصادية و سياسية .

تعليقات

التنقل السريع