القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عدنان سمير دهيرب / نقلاً عن جريدة الزمان الدولية





يخضع الاعلام للايديولوجيا ، أو أن صراع الايديولوجيات يتجسد في خطاب وسائل الاعلام ، و تقترن تلك الوسائل مع شكل النظام السياسي لتمرير الافكار و التأثير على إتجاهات  الرأي ، لاسيما أثناء الازمات و ظهور القضايا ذات الاثر على المجتمع في الحقول السياسية و الاقتصادية والاجتماعية . إذ أن الاعلام بوصفه وسيلة تنوير من خلال نشر المعلومات و إشاعة المعرفة للتأثير على المتلقي ,. غير أنه لم يكن حيادياً مع فرط تدفق المعلومات و التطور التقني والخضوع لكل أشكال السلطة . و بذلك يصبح من الثوابت و بخلافه يُعد وهماً . لا يمكن الركون أو الاتفاق معه ، و الاحتكارات التي سادت على أهم الوسائل خلال العقود المنصرمة تؤكد هيمنة رؤوس الاموال التي تتماهى مع سلطة الايديولوجيا .ليس ثمة (إعلام صرف أو إعلام غير سياسي) في كل فضاءات الدول المتقدمة و المتخلفة ، الانظمة الديمقراطية و الدكتاتورية ، الثيوقراطية و الليبرالية فيما يتعرض الاعلام التقدمي للضغط والتشوية .و إذا كان ثمة تباين في الخطاب فان ذلك فأن يعود الى الواقع الموضوعي السائد في البلد . وبالرغم من ذلك فأن الحقائق تظل بين أسوار الجهات المالكة .في كيفية تسويقها كلياً او جزئياً و ربما تشويهها بما يؤثرعلى الجمهور الفاقد للمعلومة كونه حساساً إزاء حوادث تغيب فيها الحقيقة . و بيئة تعددت فيها الخطابات ، و وسائل إتصال إعلامي تقفرعلى موانع  عقل المتلقي لإغتصاب الوعي و التأثير على الاتجاهات ’ ما دامت إدارة الوسيلة لا تسعى الى الموضوعية بقدر الاهتمام بتحقيق أهدافها .

ثقافة تفكيكية

وترى نهوند القادري  أن الفضائيات حملت الى المشاهدين ثقافةً تفكيكية ، غارقة في اللامعنى ، عاجزة عن البناء ، غير قادرة على الاسهام التغييري ، وأنكشفت العيوب البنيوية لظاهرة الاستثمار في الاعلام ، المتمثلة  بالتنافس العنيف بين الوسائل الاعلامية و إعتماد أساليب مواربة في أدارة الموارد البشرية ، و قلة إكتراث للانتاج و لأخلاقيات المهنة .و قد تجلى هذا الامر في بنية الاعلام والصحافة العراقية إثر تغيير النظام السياسي الذي أنقسم على ثلاث إتجاهات رسمية و حزبية و مستقلة ، وإن كانت الاخيرة تحمل محتوى وخطاب غير مباشر يشير الى توجهات المالك في تناول القضايا السياسية والاجتماعية . و بفضل التراكم والمتابعة لتلك الوسائل في معالجتها للقضايا والاحداث و نشر المعلومات والتحليلات ، أصبح للمتلقي تصوراً حول تلك الوسيلة مما أنعكس على مستويات المشاهدة و المتابعة ، إذ أن كل وسيلة كشفت عن جهة التمويل من خلال الخطاب المباشر و غير المباشر ، بل أن أسمها أحياناً يشير الى تلك الجهة – طائفية ، قومية أو دين – ولان وسائل الاعلام تُعد أحد الروافد الرئيسة التي تؤثر في المجتمع ، لذا يؤكد مارشال ماكلوهان أن الاعلام يقوم بخلق بنية أجتماعية جديدة ، إبراز و تقوية علاقات القوة السائدة، و إعادة تشكيل البنى المجتمعية حول نفسها . بمعنى أن تعدد الخطابات القائمة وفق منطلقات مذهبية او قومية ، تؤدي الى تكريس الانقسامات الموجودة في مجتمع متعدد الأثنيات . فيما أصبح (المحللين) في البرامج السياسية أدوات للترويج و الدعاية للاحزاب  وإشهار التبعية .أو بصيغة أخرى يكون مصدراً ثانوياً للمعلومات ومفسراً للمصادر الاولى المتمثلة بتصريحات الساسة و تغريداتهم المتواترة. وتقوم تلك التفسيرات على الارتجال في التعليق حول الاحداث والموضوعات التي غدت تشكل علامات و إشارات لما يخبئ الآتي من صراعات و تحديات أنعكست على الواقعين السياسي و الاجتماعي الذي مازال يحمل إرث الماضي ، وعدم إستقرار الحاضر ، وتخلخل التماسك الاجتماعي بفعل العصبية و إنقسام اللاهوت السياسي المذهبي الذي أنتج عنفاً وسقوط ضحايا تثير الاسى والفجيعة . وهو ما يشير الى إندحار شعار حماية الهوية الطائفية التي ظلت سائدة طيلة السنوات المنصرمة ، أمام بريق السلطة .وبذلك فأنه أصبح رجل إعلام دعائي هدفه إختراع رموز هدفية تؤدي وظيفة مزدوجة هي تسهيل التبني وتسهيل التكيف (د. علي ناصر كنانة / إنتاج واعادة أنتاج الوعي).فيما كشف الواقع عن تقويض حرية التعبير والرأي ، وأستيقاظ الرقيب الداخلي ، خشية  رصاصة غير طائشة في واقع يتسم بالعنت السياسي .

برامج حوارية

ما أفضى الى تراجع أهمية البرامج الحوارية التي يجدها المشاهد تتناول ذات القضايا و الضيوف الذي يطلقون التأويلات بعيداً عن امتلاك المعلومات الصادقة بهدف تبني رسائلهم و محاولة إستمالة الاغلبية الصامتة التي أخذ الوعي يدب الى عقولها مع دينامية الحراك السياسي و الاجتماعي و وضوح خطابات وإهداف القوى السياسية المتسيدة على المشهد السياسي  . وهذا الامر يدعو الى السؤال عن الاسباب الموجبة لأطلاق عدد كبير من القنوات والبرامج المتشابهة او المستنسخة من جهة مع طغيان إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي و الاعلامي التي أصبحت  بنية إتصالية أسهمت بالتأثير وإزاحة قدر من حضور الوسائل التقليدية في ميدان التنافس الاعلامي والاتصالي الذي يهدف في المجتمعات المستقرة التي خلعت أردية الامراض الاجتماعية ’ الى الارتقاء بالثقافة والجدل والاختلاف الذي يُعد منفذاً لبناء الحياة الديمقراطية من جهة اخرى ، رغم أتهامها في أحايين عديدة بالتضليل ودم المصداقية . فهي أيضاً أدوات للدعاية و الاقناع يسيرة الاستخدام متاحة للافراد والمؤسسات و الاحزاب ، لما تحمل من حرية وقدرة على الترويج والانتشار بأعتماد الاثارة و المبالغة ، وتتسم بالفورية في عملية النقل و أختزال الزمكان . لتطويق المتلقي الذي يتماهى مع الاخبار الزائفة .وإذا كانت إدارات تلك الوسائل الاعلامية تعرف كيف تخطط و ماذا تريد ، فأننا مسؤولين عن ضياعنا وإعتقالنا بأشكال مختلفة . بوصف الإعلام وسيلة تعكس ثقافة المجتمع ، و تسعى الى إشباع حاجاته.

{ صحفي واكاديمي)

تعليقات

التنقل السريع