كريم السماوي
طالما شكل انتحار الأدباء ألغازا عسيرة على
الفهم، خاصة أولئك الذين انتحروا وهم في قمة نجاحهم وعطائهم، ويعتبر أي نتاج أدبي
لهم حدثا مهما يتلقفه الناس كحدث مثير، ولنضرب أمثلة على ذلك. إرنست هيمنغواي (
1899 ـ 1961 ) روائي أميركي حائز على
جائزة نوبل في الأدب سنة 1954 وجائزة بوليتزر، كتبت عنه دائرة المعارف
البريطانية:" إنه يكتب بأسلوب مفعم بالفحولة والحيوية والانسيابية ".
عمل مراسلا صحافيا وغطى العديد من الحروب وجرح جروحا بليغة في بعضها ومنح أوسمة،
كان محبا للمغامرات والصيد البري والبحري ومصارعة الثيران، حتى أن بيته مليء
بالحيوانات المحنطة التي اصطادها بنفسه، يهوى الرياضة وكاد أن يصل إلى بطولة العالـَـم
في الملاكمة للوزن الثقيل، يملك قصرا وعدة شقق ويخت مجهز للصيد، منعّم وتزوج من 4
نساء، فاجأ العالم منتحرا بطلقة من بندقية صيد سنة 1961 على غير المتوقع مخلـّـفا
وراءه لغزا محيرا حتى اليوم.
ياسوناري كواباتا ( 1899 ـ 1972 ) روائي ياباني حائز على جائزة نوبل في
الأدب سنة 1968، تخصص في الأدب الكلاسيكي، فقد معظم أفراد أسرته في وقت مبكر من
حياته ولهذا كان يخشى الوحدة وعانى منها في أخريات حياته وانعكس كل ذلك في أعماله
الأدبية خاصة روايته " الجميلات النائمات ". تأثر بالفلسفة والآداب
الفرنسية كالدادائية والتعبيرية كما تأثر بقوة بالسريالية، ولكنه بالتأكيد أثـّـر
كثيرا في الأدب الياباني، أدب بلاده، قال يوما:" يكفي غصن شجرة إذا كان
مرسوما بإتقان لكي يُسمع صوت الرياح ". فاجأ العالم منتحرا باستنشاق الغاز
سنة 1972، مخالفا بذلك الانتحار، طريقة الساموراي اليابانية الشهيرة والشائعة
بالانتحار بدفع السيف إلى عمق أجسادهم حتى الموت.
فرجينيا وولف ( 1882 ـ 1941 ) روائية وناقدة بريطانية كبيرة، قالت عنها
الروائية البريطانية دوريس ليسينغ الحائزة على جائزة نوبل في الأدب سنة 2007 في
لقاء صحافي بعد فوزها بالجائزة:" إنها تشعر بالأسف البالغ لأن فرجينيا وولف
لم تفز بجائزة نوبل في الأدب ". أغواها أخوها لأمها جورج وراودها عن نفسها،
وحين نجح في ذلك تسبب لها بصدمة قوية لم تفق منها طوال حياتها وهو ما اعتبرته
إفسادا لحياتها قبل أن تبدأ، وهو ما ظلت تعاني منه طوال حياتها وألقى بثقله على
علاقتها بالرجال، وأدخلها في أوهام وأمراض نفسية عميقة تركتها على حافة الجنون
وكان من نتائجه ثلاث محاولات انتحار، في محاولتها الثالثة كتبت رسالتين، الأولى
لزوجها والثانية لأختها فانيسيا تخبرهما فيهما:" أنها عادت تسمع من جديد تلك
الأصوات التي تزعجها ". حيث كانت تعاودها النوبات العقلية وسماع أصوات علوية
غريبة تدعوها إلى سلوك طريق الموت. انتحرت في نهر أوز بعد أن تركت عصاها إلى
جانبه، ولكي تضمن لنفسها غطسا مميتا ملأت جيوبها بالحجارة منهية حياتها غريقة سنة
1941. ألم نقل منذ البداية أن انتحار الأدباء ترك ألغازا عسيرة وراءه.
تعليقات
إرسال تعليق